وأخيراً ،بعد نحو أربعة أعوام وصلت الدماء خلالها إلى الأعناق وليس حتى الركب فقط، إعترف باراك أوباما بأن المخابرات الأميركية قد استهانت بما يحدث في سوريا وأن المتشددين استغلوا فوضى الحرب الأهلية (السورية) واستطاعوا أن يعيدوا تنظيم صفوفهم فأصبحت الأراضي التي لا تخضع لحكم أحد قبلةً لـ»الجهاديين»!! في العالم كله وهو ،أي الرئيس الأميركي، إعترف أيضاً بأن الولايات المتحدة قد بالغت في تقدير قوة الجيش العراقي في التصدي للجماعات المتشددة.
صَحْ النوم.. فهل يعرف الرئيس الأميركي أن إستهانة مخابراته بما يحدث في سوريا وأن مبالغة إدارته في قوة الجيش العراقي قد كلفت الشعبين السوري والعراقي مئات الألوف من القتلى وهذا بالإضافة إلى الملايين من النازحين والمهجرين وإلى أعداد فلكية ليست معروفة على وجه الدقة من الجرحى والمفقودين والمعتقلين وبالإضافة إلى دمارٍ أبشع كثيراً من دمار الحربين العالميتين معاً الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية كان على باراك أوباما ،رئيس أهم دولة في العالم، أن يكون أكثر دقة وأكثر جدية في التعاطي مع الأزمة الطاحنة التي ضربت بلدين من أهم دول الشرق الأوسط ومن بين الدول الأكثر تأثيراً على أمن هذه المنطقة وبالتالي على أمن أوروبا وأمن الولايات المتحدة والعالم كله وكان عليه ألاَّ يترك مثل هذه الأمور الهامة جداً لتقديرات بعض قادة ومسؤولي أجهزته الأمنية ومن بينهم جيمس كلارك الذي استشهد ،أي الرئيس الأميركي، بتصريحات سابقة له إستهان فيها بما يحدث في سوريا.
وهنا فإنَّ ما يجب أن يُسأل أوباما عنه ،من قبل الشعب الأميركي أولاً، هو :ما قيمة هذا الإعتراف المتأخر جداً بعدما ضربت الفأس بالرأس وبعدما وصلت الأمور ،إنْ في العراق وإنْ في سوريا، إلى كل هذه التعقيدات التي لا أخطر منها على الإطلاق..؟!.. لقد أصبح في هذين البلدين ليس «داعشاً» واحداً فقط بل تنظيمات إرهابية لا حصر لها ولقد ضرب سيف التشظي والإنقسام دولتين من أهم دول المنطقة وأكثرهما تأثيراً في هذه المنطقة والشرق الأوسط كله.
فمن هو المسؤول عن هذا..؟ من هو المسؤول عن ميوعة وتردد الولايات المتحدة في التعامل مع الأزمة السورية التي بقيت تتفاقم وتزداد تعقيداً على مدى أربعة أعوام.. وها هو العام الخامس بات على الأبواب؟! من هو المسؤول عن إهمال المعارضة السورية (المعتدلة) وفتح الأبواب لكل هذه التنظيمات الإرهابية المتطرفة؟! من هو المسؤول عن تلك المعادلة البائسة التي وضعها بول بريمر والتي كان هدفها ،ويبدو أنه لا يزال، تركيع الطائفة السنية وتهميشها وتدميرها.. ما هي الفائدة من الحديث الآن ،مجرد الحديث، عن ضرورة الإستعانة بهذه الطائفة.. التي لولا إقصائها ومنذ عام 2003 فلما كان هناك «داعش» ولما تمزقت بلاد الرافدين كل هذا التمزق ولما جرى تشكيل هذا الجيش «الميليشياوي» الذي سقط سقوطاً ذريعاً في الإمتحان حتى بعد هذه «الفزعة» الأميركية الأخيرة..؟!.
بالتأكيد أنَّ أوباما يعرف ذلك المثل العالمي القائل «أنْ تأتي متأخراً خير من ألاَّ تأتي أبداً».. ولهذا فإنه لابد من القول له ولغيره ولكل الذين انضموا إلى هذا التحالف الكوني :»إنَّ التعاطي مع هاتين الأزمتين المتفجرتين في سوريا والعراق إن هو إستمر بهذه الطريقة العشوائية المرتجلة فإن مصيره الفشل المحتم لا محالة وأنه سؤدي حتماً إلى نتائج كارثية.. ولهذا فإن المطلوب أولاً هو عملٌ عسكريٌ على الأرض وفي كل الجبهات وإنَّ المطلوب ثانياً هو كف يد إيران ومنعها من الإستمرار باللعب في شؤون ليس هاتين الدولتين العربيتين فقط وإنما في دول الشرق الأوسط كلها أما المطلوب ثالثاً فهو العمل الجدي الدؤوب والصادق لتخليص بلاد الرافدين من معادلة بريمر البائسة (المنتصر والمهزوم) ولضمان إنتصار المعارضة السورية «المعتدلة» وضمان إنتقال السلطة ،بعد سقوط نظام بشار الأسد، بحيث يبقى هذا البلد موحداً وبحيث يتم تجنيبه ويلات الإنهيار على غرار ما يجري في ليبيا والصومال.