القاهرة - الكاشف نيوز: أثار إعلان مصر عزمها التدخل دعما لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، تساؤلات بشأن دلالة الخطوة في هذا التوقيت، ومدى علاقته بفشل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة التي احتضنتها القاهرة منذ أيام.
ويعتقد دبلوماسيون وقانونيون أن القاهرة تسعى بهذه الخطوة للضغط على تل أبيب للتراجع عن عملية اجتياح رفح، لكنها في ذات الوقت تشير إلى تراجع جهود الوساطة "خطوات للخلف"، خاصة أن مصر كانت حريصة على مراعاة ضبط النفس بالنظر لكونها وسيطا بين إسرائيل وحماس على مدار الشهور السبعة الماضية.
وترى مصر أن اجتياح الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح الفلسطينية "تهديد مباشر لأمنها القومي"، مما استدعى اتخاذ إجراءات جديدة للتصدي له، والتحذير من مغبة التصعيد الراهنة.
ماذا حدث في القاهرة؟
قالت وزارة الخارجية المصرية في بيان، إن مصر تعتزم التدخل رسميا لدعم الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، للنظر في انتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة.
أوضحت أن هذه الخطوة "تأتي في ظل تفاقم حدة ونطاق الاعتداءات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، والإمعان في اقتراف ممارسات ممنهجة ضد أبناء الشعب الفلسطيني من استهداف مباشر للمدنيين وتدمير البنية التحتية في القطاع، ودفع الفلسطينيين للنزوح والتهجير خارج أرضهم، مما أدى إلى خلق أزمة إنسانية غير مسبوقة أدت إلى خلق ظروف غير قابلة للحياة في قطاع غزة، في انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب".
طالبت مصر إسرائيل بالامتثال لالتزاماتها باعتبارها "القوة القائمة بالاحتلال"، وتنفيذها للتدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية التي تطالب بضمان نفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية على نحو كاف يلبي احتياجات الفلسطينيين في قطاع غزة، وعدم اقتراف القوات الإسرائيلية لأي انتهاكات ضد الشعب الفلسطيني، باعتباره شعبا يتمتع بالحماية وفقا لاتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية.
جددت مصر مطالبتها لمجلس الأمن الدولي والأطراف الدولية المؤثرة، بضرورة التحرك الفوري لوقف إطلاق النار في قطاع غزة والعمليات العسكرية في مدينة رفح الفلسطينية، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين.
دلالة التوقيت
يرى أمين عام المجلس المصري للشئون الخارجية نائب وزير الخارجية السابق علي الحفني، أن "مصر كانت تراعي ضبط النفس رغم التشارك مع شعوب العالم في رفض وإدانة ما يحدث في قطاع غزة منذ شهر أكتوبر الماضي، إلا أنها كانت تتوخى الحذر أن مثل هذه المواقف يمكن أن تؤثر على جهودها في الوساطة، ومساعي القاهرة للتعجيل بوضع نهاية للحرب في غزة".
وبشأن الدافع وراء إعلان مصر التدخل دعما لدعوى جنوب إفريقيا، قال الحفني: "ذلك يأتي بعد إصرار وتصعيد الجانب الإسرائيلي باجتياح رفح وعدم مبالاته بالأزمة الإنسانية بالقطاع، فضلا عن إغلاقه كافة المعابر البرية وتنفيذ خطته لتجويع سكان القطاع بأكمله".
وأضاف: "إسرائيل أيضا تضع نهاية للمفاوضات وجهود الوساطة وترفض المضي فيها، وتلجأ كبديل لتطوير حربها في غزة، ومن ثم فهذا يجعلنا في حل من الاستمرار في ضبط النفس الذي كنا نحرص عليه قبل ذلك، خاصة مع تحذير مصر من التصعيد وخطورته على أمنها القومي وأمن المنطقة بشكل عام".
ويعتقد الدبلوماسي أن الخطوة المصرية ستزيد الضغوط الدولية على إسرائيل، لأن "ما لم يتحقق من خلال المفاوضات يمكن تحقيقه من خلال زيادة الضغط على إسرائيل خلال المرحلة المقبلة" وفق تعبيره.
دور "الوساطة"
ومع ذلك، أوضح الحفني أن جهود الوساطة "تراجعت خطوات للخلف"، خاصة بعد فشل الاجتماعات التي احتضنتها القاهرة وانتهت الجمعة بعدم التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، نتيجة للتعديلات المستمرة التي طلبتها إسرائيل.
وانتهى الجمعة في القاهرة اجتماع بشأن مقترح للهدنة في قطاع غزة من دون إحراز تقدم، رغم موافقة حركة حماس على الورقة المصرية المقدمة التي اعتبرت إسرائيل أنها "لا تحقق مطالبها".
وتزامن فشل المفاوضات مع إعلان الجيش الإسرائيلي سيطرته على معبر رفح الحدودي مع مصر مما أدى إلى توقف وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني المحاصر، في تطور وصفته القاهرة بأنه "تصعيد خطير".
وكانت وزارة الخارجية المصرية قد قالت في بيان إن مصر حذرت من أن العملية الإسرائيلية في رفح جنوبي قطاع غزة "تهدد مصير الجهود المضنية المبذولة للتوصل إلى هدنة مستدامة داخل غزة".
وعاد الدبلوماسي المصري للقول إن "التعامل المصري يكون بقدر التصعيد الذي أحدثته إسرائيل في الأيام الأخيرة. لا يمكن الاستمرار في نفس التناول السابق، لكننا في نفس الوقت لن نقطع شعرة معاوية بشأن دور الوساطة، لأن قيامنا بهذا الدور محوري لوقف إطلاق النار خاصة مع خبرات القاهرة في التعامل مع تلك الأوضاع".
وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي قال إن "مصر مستمرة في جهودها للوساطة من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة".
مصلحة مباشرة
من الناحية القانونية، قال أستاذ القانون الدولي عضو الجمعية الأميركية للقانون الدولي محمد مهران، إن إعلان مصر يستند إلى المادة 63 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، التي تتيح لأي دولة طرف في اتفاقية تكون محل نزاع أمام المحكمة الحق في التدخل في الدعوى، إذا رأت أن لها مصلحة ذات طابع قانوني قد تتأثر بالقرار في القضية.
وأضاف مهران، أن مصر بوصفها طرفا في اتفاقية منع الإبادة الجماعية، لها مصلحة مباشرة في الدفاع عن الالتزامات المترتبة على الدول الأطراف بمنع ووقف الأعمال التي ترقى لجرائم الإبادة الجماعية، لا سيما تلك المحظورة وفق المادة الثانية من الاتفاقية، مثل قتل الأفراد أو إلحاق أذى جسدي أو عقلي جسيم بهم أو إخضاعهم عمدا لأحوال معيشية يراد بها تدميرهم المادي كليا أو جزئيا.
واعتبر أن "التدخل المصري سيضيف وزنا وزخما للدعوى التي أقامتها جنوب إفريقيا، حيث إن مصر هي الوسيط والشاهد الأول على كل ما يحدث من انتهاكات لكونها المنفذ الوحيد لغزة، وهي من تعمل على متابعة إدخال المساعدات الإنسانية".
ووفق مهران، فإن مصر ستعرض وجهة نظرها حول تفسير الأحكام ذات الصلة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية وانطباقها على الأفعال الإسرائيلية في غزة، بما يعزز حجج المدعي ويسلط الضوء على فداحة الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ويدفع المحكمة لاتخاذ قرار حاسم بشأن إلزام إسرائيل باحترام الاتفاقية.
ومع ذلك، أشار إلى أن قرار المحكمة الذي قد يصدر خلال الفترة المقبلة، سيحمل "قيمة أدبية كبيرة" كونه سيشكل إدانة قانونية دولية رفيعة المستوى لإسرائيل، إلا أن تنفيذ أي أوامر أو تدابير مؤقتة قد تفرضها المحكمة تجاه الأخيرة سيظل مرهونا بإرادة مجلس الأمن، وهي الآلية التنفيذية الأممية التي طالما أعاقت محاسبة إسرائيل بسبب "الفيتو" الأميركي.