ذات عام وفي موسم الحج، واذ كنا ندفع المال، من اجل الهدي، اي ذبيحة الحج، كان هناك رجل امامي، دفع المال، وحين سأله الرجل الذي يتسلم المال، عن اسم الحاج، ليسجل ذلك في الوصل،سكت قليلا.
لم يرد.اعاد عليه السؤال.رد بتردد ..يوسف بن ايوب بن شاذي. كتب الموظف الاسم على عجل، واستلم المبلغ، ولم يتوقف عند الاسم ابداً، ولحظتها توقف قلبي، فمن المستحيل ان يكون هذا هو اسم الرجل.
لم اتركه.فضولي جعلني اترك الدفع وألحقه.قلت له: أليس هذا الاسم هو اسم صلاح الدين الايوبي، القائد المسلم الذي حرر القدس.
لمعت عينا الرجل.وكاد ان يهم بإدارة ظهره لي.الا انه عطف علي بالاجابة، وقال نعم هو وانا أحج عنه هذا العام؟!.
رحل القائد عن عمر سبعة وخمسين عاما، ولم يحج، ونقرأ في الكتب انه ودع آخر قافلة حج قبل ان يرحل هو بالدموع.
لم يكن ليقبل ان يحج من مال المسلمين، ولا مال الدولة، وهو ايضا بلا مال يساعده على الحج، وفي هذا عبرة مهمة جدا، فيمين الرجل بيضاء، برغم سلطته وسلطانه.
اغلب الناس تعرف ان صلاح الدين الايوبي، وهذا لقبه، واسمه يوسف بن ايوب بن شاذي لم يحج، ولربما دون مبالغة، يذهب كل عام، من يذهب من المسلمين ليحج عنه، ان لم يكن اكثر من شخص، وقد سمعت عن كثرة حجت عنه، من دول كثيرة، وكثرة تعتزم الحج عنه.
صلاح الدين الايوبي، هنا، لم يحرمه الله، فالرجل الذي اتقى الله في مال المسلمين، يتم تعويضه كل حج، من مال المسلمين، ويالها من تعويضات نورانية، فالتعفف هنا، لم يحرمه فعليا، بل زاده كرما واحسانا.
في قصة صلاح الدين الايوبي هنا، عبرة، فالرجل لم يكن عربيا، واغلب انتصارات المسلمين المهمة، لم تكن على يد العرب، وان كان العرب جذرها.
الاسلام هنا يقول ان التمييز بين الاعراق مذموم، كما التمييز بين البشر، ولدينا روايات كثيرة تنبذ التمييز بين البشر، وتوزيعهم على طبقات دينية وعائلية وعرقية.
ليس ادل على ذلك من احاطة النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه بالفارسي والرومي وغيرهما، وهناك قصد واضح، فالتعصب مذموم، والامم لا تنتصر الا بالتنوع.
علينا ان نلاحظ انه كلما اشتد تعصبنا للمدينة او القرية او العائلة، كلما عدنا الف عام للوراء، وحتى الامم غير المسلمة تنتصر وتتفوق جراء العدل، وجراء تنويعها واخذها لأحسن ما في الامم الاخرى دون انغلاق.
العبرة الثانية ان صلاح الدين الايوبي، كان قائدا يخطط ويتعب، ولم يكن رجل دين بالمعنى المتعارف عليه، او فقيها وحسب، لان العلوم العسكرية هنا، بحاجة الى قدرات.
الدين هنا، مولد للطاقة، لكن النصر يتأتى ايضا من التخطيط والجلد والصبر والتعب، ومن توظيف العنصر المادي وتسخيره اتكاء على العقل وفيوضاته.
ثالث العبر ان المسلمين اوفياء لابطالهم، وليس ادل على ذلك من استذكاره في كل مناسبة، والحج عنه، وضرب الامثال به، فهم لا ينسون ابطالهم.
المأخذ هنا ان تعظيم البطل، يصير احيانا على حساب القاعدة الشعبية التي نصرته، من جند وشهداء وامهات ومتبرعين، وكل هؤلاء لا يتم ذكرهم كما يجب.
هذه هي احدى مشاكل صورة البطل عند المسلمين عموما، فهناك بطل، ولا يوجد شركاء، واذا كان هناك شركاء فهم في الظلال، هذا على الرغم من ان الشركاء العنصر الاهم في حالات كثيرة.
في عرفه، نستذكر كل رجال الامة الخيرين، وثقتنا في المقبل، بلا حدود، ودموع يوسف ذات حج، لم تتبدد، ردها الله اليه، الاف الحجات.