خلال سبعة أشهر «أُمر» الفلسطينيون بالتشرد داخل غزة في كل اتجاه: من الشمال إلى الجنوب، ومن الجنوب إلى الشمال، ومنهما إلى رفح، ثم من رفح إلى أي مكان. وأثناء ذلك كانت تُدك منازلهم، وتُطمر شوارعهم، وتُفجّر مستشفياتهم، وتُغلق مؤسسات المساعدة الإنسانية في مدنهم.
طوال الوقت، كان هذا العالم المكبّل والضعيف والمذهول، يتساءل: هل نحن أمام حرب عالمية ثالثة؟ من قاذفات نتنياهو؟ وهو ينفذ تهديده باجتياح رفح، برغم كل المناشدات والتحذيرات الدولية: لا. ليست حرباً عالمية، بل هي حرب على العالم.
هي حرب على شرف الأمم وحصانة الشعوب وعلى كل وازع ومفهوم أخلاقي. والآن يقول أنطونيو غوتيريش إن الهجوم على رفح «غير إنساني»؛ لأن منصبه يمنعه من القول «إنه وحشي». وأكثر كثيراً.
هناك جانبان لهذه الحرب منذ اللحظة الأولى: حرب نتنياهو على غزة، ووجودها برمّته، وحرب إسرائيل على كل مظهر من مظاهر السلوك الدولي. وفي البداية انضمت أميركا ودول الغرب إلى هذا «الانتقام»، لكنها تراجعت قليلاً عن التأييد الأعمى عندما تجاوز الثأر الوحشي جميع المستويات المألوفة. عندما تأكد لها أن إسرائيل لن تستجيب، أو تحترم موقف أي حليف أو صديق أو رأي عام دولي. لقد خلط نتنياهو دماء أطفال فلسطين بمصيره السياسي، تماماً مثلما خلط مرشحو الرئاسة الأميركية حظوظهم بسياسات اليمين الإسرائيلي على أشكاله ومفاهيمه.
كان العالم يعتقد أن إسرائيل سوف تتراجع عن عملية رفح التي تهدد بها، بمجرد أن توافق «حماس» على وقف إطلاق النار. الذي حدث أنها بدأت الحملة في اللحظة التي أعلنت فيها «حماس» قبول وقف إطلاق النار. وبينما كان الفلسطينيون المتعبون يبتهجون بإعلان «حماس» عن وقف النار، كان نتنياهو يصدر أوامر التشرد الجديد وبقصف من لم يطله القصف بعد. سدى ذهبت جميع المحاولات التي بُذلت في القاهرة وشملت الأميركيين من أجل رفع هذا الموت اليومي عن صدور أهل غزة.
كان قد بقي شيء واحد لا يتخيله عقل بشري طبيعي، أن تقدم عليه إسرائيل، وهو أن تمنع الأمم المتحدة من التدخل. ففعلت. لا تريد حتى الشهود على تتمة المجزرة.