منذ أسابيع وصاحبي يعدنا بـ«هذا المهرجان».
كل شيء هنا، مهرجان، لا أقل. فأنت في مقاطعة البروفانس، الجزء الأجمل من فرنسا، والذي كان ذات يوم الجزء الأجمل من روما القديمة أيضاً، فكيف لا يكون مهرجاناً.
لذا فمَا من مطعم من مطاعم البروفانس شيء عادي، إنه جزء من الحياة الجميلة التي من أجلها أقيمت فرنسا ولقبت بلد العيش. وقد قرأ صاحبي كل ذلك في الكتب والروايات وحكايات الفنانين والأدباء التي يهيم بها منذ شبابه.
فلا نمر في شارع أو قرب حديقة إلا ويتوقف مثل الرواة، محدثاً وخطيباً أحياناً. وزيادة في التفاخر، يستخدم ما تجمّع لديه عبر سنين، من تعابير لا يستخدمها إلا الأرستقراطيون الفرنسيون، والطارئون عليهم.
ويخيّل إليّ أن هذه الطريقة تعطي البروفانس شيئاً من حقوقها في التميز على سائر الجماليات التاريخية، الممتدة ما بين فرنسا المعاصرة، وبلاد الغال القديمة.
ومثل كل شيء آخر في هذه المساحات الرائعة يتداخل القديم والحديث في آثار لا نهاية لها من بقايا الحروب والتوحش.
وطالما يحيرك كيف أمكن لهؤلاء الناس أن يكونوا في هذا الإطار الرائع، ولا يعرفون سوى الدماء والقلاع.
كرر هذه الحكايات ونحن ندخل إلى المطعم الصغير الذي سقفه من القش والتراب. وخوف أن يكون ضيفه قد نسي، قال من جديد إن المطعم يحمل نجمة من شركة «ميشلان» التي تنظم للفرنسيين ولضيوفهم لائحة أهم المطاعم وبالتالي أغلاها ثمناً.
وكنت أشعر في داخلي بأن صاحبي يخشى دائماً أن يفتضح الأمر وأتصرف مثل الفلاحين وأهل القرى، ولا أقدِّر حق تقدير مهارة الطهاة الفرنسيين، وكيف يجعلون بيضة مسلوقة تبدو وكأنها حساء ساحر تقدر قيمته بقيمة جنرال من الحرب العالمية الثانية، أي نجمة واحدة على الأقل، وقد اعتنى الفرنسيون بالمظهر العسكري كما اعتنوا بالطبخ والغناء والنساء.
وليس في العالم شعب آخر يستخدم كلمة «عشيقة» على أنها جزء من الحياة الطبيعية، أو الاجتماعية. والأرجح أن هذا التقليد النبيل قد بدأ مع الملك لويس السادس عشر، أو لويس آخر، قبله أو بعده.
أكاد أقول إن العيب في البلاد ليس في أن تكون هناك عشيقة وإنما في ألا تكون.
لقد خرجنا كما هو واضح عن الموضوع والخطأ خطأ صاحبي، فهو لا يقدم لك شيئاً من فرنسا إلا ملفوفاً بحصاد كامل من أوراق التاريخ، المليء بالانتصارات والهزائم والعشيقات.