مرتدياً لباس العرش الرسمي الذي یظهر به في المناسبات الدستورية، كافتتاح دورة البرلمان السنوية، وأمام حشد من رجال الدولة وممثلي جميع قطاعات المجتمع الأردني والمؤسستين العسكرية والمدنية، ألقَى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاباً استثنائياً بمناسبة مرور ربع قرن على جلوسه على العرش.
استثنائية الخطاب جاءت من عناصر عدة؛ أبرزها، إضافةً إلى المضمون الذي حملَ صلابةَ الموقف والثقة بالموقف والمستقبل، لغة الجسد ونبرة الصوت الحازمة والعاطفية معاً.
وبقدر ما استقبل الخطاب على أنَّه جردةُ حساب «اجتهدنا، نجحنا وأخطأنا»، لربع قرنٍ من جلوسه على العرش الأردني، فقد حمل رسائلَ ضمنية إلى العالم، لا سیما إلى الجوار في الشرق الأوسط: «هذا البلد قوي عصي على كل المصاعب».
هذه الرسالة بالذات أصبحت أكثر وضوحاً في العرض العسكري الذي تلا الخطاب، وكانت مفاجأته الطائرة من دون طيار التي دخلت الخدمة مؤخراً، وكذلك بعض الآلات العسكرية الثقيلة المطورة أردنياً، بما فيها أجهزة كشف الطائرات المسيرة.
وفي الوقت الذي لخَّص فيه الملك مسيرةَ ربع قرن بإشادته بمنجزات ردَّها إلى شعبه الذي نال احترام الأمم «بمنجزاته وإنسانیته» وهویته الوطنیة «كلي فخر بأن أكون أردنياً»، وفي نبرة تعبویة، فقد عبر عن ثقته بالمستقبل الذي یجب أن نمضي نحوه «دون خوف أو تردد أو تخاذل»، عاهد الملك شعبه وفي ذروة لغة الجسد والنبرة «أن یبقى الأردن حراً كريماً عزيزاً آمناً مطمئناً»، مستمداً عزیمته وإرادته وتفاؤله من شعبه، وملخصاً مسیرة الأردن على مدى ربع قرن «إنجاز في أصعب الظروف وثبات على الحق في أشد المواقف».
ما بین العاطفي والحازم، ظهر الملك عبد الله الثاني بصورة القائد الواثق الذي صقلته التجربة وعلمته الأنواء والعواصف التي اجتاحت المنطقة في عهده، والتي استهدفت أمن بلده واستقراره كتفجيرات «القاعدة» و«داعش» الإرهابیین، وتحدیات الحدود بالأسلحة والمخدرات والأزمات من حوله، لا سیما تبعات القضیة الفلسطینیة؛ شغله الشاغل والدائم... «مسیرة لم تخلُ من التحدیات... عصفت بالعالم حروب وأزمات... خلف الرایة توحدنا في مواجهة الخوارج وأصحاب الفتن وتجاوزنا فوضى الإقلیم... لكنها زخرت بإنجازاتكم». والجملة الأخیرة موجهة لمواطنیه.
لخص الملك مسیرة ربع قرن: «صمدنا أمام أصعب الاختبارات». لكنَّه وفي إشارة إلى الجوار تحدث عن إغاثة الملهوفین الناجین من النیران الصدیقة والعدوة... «كان الأردن دوماً أول الحاضرین عند الواجب».
أمَّا عن المستقبل الذي عبَّر الملك عن ثقته بقدرة أبناء شعبه على المضي نحوه بثقة وأمل، فلم یخلص كذلك من الإشارات الضمنیة والمعلنة إلى التحدیات الماثلة من حوله من دون أن یسمیَها. كمستقبل القضیة الفلسطینیة والعدوان الإسرائیلي المستمر على الشعب الفلسطیني وقضیته وحقوقه، وكذلك الأزمة السوریة والتدخلات الإقلیمیة والدولیة، وجمیعها تضغط على الأردن سیاسياً واقتصادياً. كذلك فقد كانت لغة الملك حاسمة بأن یبقى الأردن «عزيزاً آمناً مطمئناً».