يعد القرار السويدي الذي أعلنه رئيس الحكومة السويدية ستيفان لوبين مؤخرا عن اعتزام السويد الاعتراف بدولة فلسطين موقفا حضاريا وأخلاقيا لدولة السويد , وذلك لأن شعبا مثل الشعب السويدي يتمتع أبناؤه بالحرية والديمقراطية والعدالة والعيش الكريم لا يمكنه إلا أن يتعاطف مع الشعب الفلسطيني الذي حرم منذ عدة عقود من حريته ودولته ومقومات عيشه نتيجة الاحتلال الإسرائيلي البشع. ولا أظنهم يستطيعون أن يتخيلوا شعبا برمته يحرم من حرية الحركة في بلده , ويحرم من قطف ثمار زيتونه في موسم قطاف الزيتون بل يقتلع المحتلون تلك الأشجار ويجرفونها , ويحرم من بناء بيوت لأبنائه بل يهدم الاحتلال بيوته القائمة تحت ذريعة عدم الحصول على تراخيص بناء , ويحرم من مياهه مثلما يحرم من حفر الآبار للحصول على مياه الشرب , ويحرم من السفر أو العودة , بل إن الاحتلال يقتل الشباب لمجرد الشبهة, فضلا عن الاعتقالات الليلية والنهارية التي يقوم بها الاحتلال للشباب الفلسطيني , وعن الاغتيالات والقتل للشباب والاطفال دون محاكمة. إن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة محرومون من كل أشكال الحرية حتى حرية التعبير عن رفض الاحتلال , إذ يواجه الإسرائيليون المسيرات السلمية التي يقوم بها الفلسطينيون بالرصاص الحي وبالاعتقالات والزج في السجون لمدد طويلة ووسط تعذيب وحشي. وهل يوجد في الكون كله أبشع من حرمان الناس من الوصول إلى المساجد والكنائس لتأدية الصلاة فضلا عن هدم المساجد وتدميرها واقتحام المقدسات وتدنيسها واعتقال المصلين والاعتداء عليهم ؟
لا أظن أحدا في السويد أو في أي بلد من بلدان العالم المتحضر التي تقدس الحرية والديمقراطية والعيش الكريم يمكن أن يقبل بمثل هذه الممارسات الاسرائيلية أو يرضى للفسلطينيين بمثل هذه المعاناة القاسية جداً التي لا تطاق.
ولا شك في أن موقف السويد سواءً استمر أو تم التراجع عنه ينطلق من رؤية أخلاقية وحضارية مفادها أن استمرار حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه يعني استمرار أهم عامل من عوامل التوتر والعنف في الشرق الأوسط برمته, وهو العنف الذي يؤدي إلى إراقة الدماء وتعكير صفو الحياة في المنطقة كلها.
ولكي تدرك السويد حجم المعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني يكفي أن أشير إلى ردة الفعل الإسرائيلية إزاء نية السويد الاعتراف بدولة فلسطين، إذ تعرضت السويد لحملة معادية محمومة من قبل الاسرائيليين وحلفائهم واستدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية السفير السويدي المعتمد لدى دولة الاحتلال لكي ينقل اعتراضها على القرار السويدي وتوبيخ السفير، فإذا كانت الدول التي تتعاطف مع معاناة الشعب الفلسطيني تتعرض للإساءة من قبل الاحتلال فكيف بالشعب نفسه الذي يخضع للاحتلال ؟ إن ردة الفعل الاسرائيلية على القرار السويدي دليل صارخ على بشاعة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من جراء الاحتلال. إن موقف السويد موقف حضاري وأخلاقي ينسجم مع المبادئ الأخلاقية الرفيعة التي تؤمن بها السويد وتطبقها في مختلف المجالات مما جعل من السويد بلدا متقدماً على مختلف الأصعدة، ونتمنى من جميع دول العالم وخاصة العالم المتحضر، أن تحذو حذو السويد في اعترافها بدولة فلسطين، إقرارًا للعدالة وحق الشعوب في الحرية والعيش الكريم.