لا يهدأ رئيس الحكومة العراقية السابق، نوري المالكي، بعد خروجه من موقعه، هذا على الرغم من انه أحد نواب الرئيس العراقي اليوم، الا ان جرح الاطاحة به، مؤلم جداً. التقيت المالكي مرتين في حياتي، خلال مباحثات لرؤساء حكومات، الاولى في عمان الى مائدة العشاء مع رئيس الوزراء الاسبق معروف البخيت عام 2006، والثانية في بغداد مع رئيس الوزراء الاسبق نادر الذهبي الذي زار بغداد في رمضان 2009. في المرتين، كان الرجل على تدينه، يتسم بالعناد والصلابة، وقراءة شخصيته تقول ان لديه مواقف مسبقة، لا يمكن للدنيا ان تغيرها، وفي اللقاءين، وعود كثيرة اغلبها لم يتحقق، فالرجل من النوع العنيد، وقليل المرونة معا، وهو ايضا سياسي من النوع الذي يحب ويكره!. في كل الحالات ووفقا لمعلومات مؤكدة فإن المالكي يشن حربا سرية ضد الاردن هذه الايام، لاعتقاده ان الاردن كان احد الدول التي ضغطت للاطاحة به، متهما الاردن بكونه لم يلعب دورا ايجابيا في غرب العراق لتهدئة السنة ضده، بالاضافة الى مآخذ كثيرة. المالكي يعتقد هنا ان الاردن سعى مبكرا للاطاحة به، عبر استضافة المعارضة العراقية السنية في مؤتمرها هنا، قبل شهور، في عز التحشيد ضده، كما يأخذ المالكي على عمان انه قدم اغراءات ووعود لابأس بها، وابرزها انبوب النفط العراقي العابر للاردن، وان عمان لم تثمن كل هذا عندما انقلبت عليه. في كل الاحوال، يتناسى المالكي هنا، ان هناك ظروفاً اردنية وعربية واقليمية، ترسم المعادلات وتغيرها كل فترة، كما ان البحث عن دول لاتهامها بأزمة المالكي، قد لا يكون عميقا مع الاقرار هنا بأن هناك دولا محددة عبثت بأمن العراق، غير ان الاردن كان معنيا باستقرار العراق، ليس لمصالحه، وانما لاعتبارات أمنية تفرض على الاردن ان تستقر حدوده مع العراق، امنياً واجتماعياً. هذا استقرار نسفته سياسات المالكي التي لم تدر ملف غرب العراق كما يجب وجعلته متفجرا في وجهه ووجه الاردن ايضا. المالكي هذه الايام لا يهدأ ويحارب على عدة جبهات، وآخر جبهاته الاردن ورئيس الحكومة العراقية الجديدة، معاً، وهذا يفسر تحرك نواب عراقيين فجأة مطالبين بتعديل الاتفاقية النفطية العراقية الاردنية باعتبارها لمصلحة الاردن فقط.
الاغلب ان حركة النواب العراقيين غير معزولة عن رغبات المالكي بالانتقام من الاردن، ولاحراج رئيس الحكومة العراقية الجديدة في علاقاته الاقليمية، وقد سبق ذلك سحبه للجيش العراقي عن حدود الاردن حين كان رئيسا ليفتح الحدود امام داعش آنذاك. ذات النواب كانوا قد احتجوا سابقا على منح النفط للاردن باعتباره لا يستحقه، وان عمان تمول الارهاب، وتحتضن قيادات البعث، وغرب العراق. النائب العراقية فاطمة الزركاني عضو لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي وعلى الرغم من انتمائها لائتلاف دولة القانون في البرلمان العراقي الذي يتزعمه المالكي خرجت برأي مغاير، اذ قالت ان الاتفاقية مفيدة للاردن والعراق على حد سواء، ولا يوجد طرف يستفيد اكثر من الاخر، وانتماء الزركاني لدولة القانون كان يفرض ظاهرا تصويتها لصالح تعديل الاتفاقية، وهذا افتراض سطحي، لاننا في النهاية امام اتفاقية عادلة، لايمكن اعادة تلوينها كل فترة برأي جديد، وهذا يفسر عدم نجاح التصويت في البرلمان العراقي. ربما غاية المالكي ابراق الرسائل المربكة للاردن، ولخصمه حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية الجديدة، لكننا نقول ان كل المنطقة تقف على حافة جهنم، فكيف يجد السياسون في المنطقة وقتا للكيد لبعضهم البعض، في توقيت قد يطيح بالجميع؟!. ورقة انبوب النفط العراقي، من الاساس كانت مجرد اغراء للاردن، تحوطا من دعمه لاي تمرد في غرب العراق، خصوصا، ان الانبوب فنيا لابد من يمر من هذه المناطق، ولابد ان تكون آمنة ومستقرة، وقد يقول هذا ان الغاية الوظيفية من مشروع الانبوب، تبددت لدى المالكي فيصير التراجع هو الاصل عبر نفوذه داخل البرلمان العراقي. في كل الحالات، المالكي عليه ان يتسم بسمات رجل الدولة الحقيقي، فيتخلص من ثاراته النائمة، لان العراق لا يحتمل كل هذه الصراعات، وان احتمل بعضا منها، فهذا مقبول من الهواة في نهاية المطاف، لا.. من الذين يقدمون انفسهم باعتبارهم رجال دولة!.