في خضم الحرب على قطاع غزة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أن «الجيش الإسرائيلي جيش أخلاقي وليس لديه نية على الإطلاق للإضرار بأي إنسان بريء»!!! ومع الأيام تنجلى شهادات مروعة توضح انتهاك إسرائيل (التي هي، أصلا وفصلا، انتهاك) للقوانين الإنسانية والدولية خلال الحرب الأخيرة، حيث عاش «القطاع» مشهدا مأساويا يعجز المرؤ عن وصف الأهوال والدمار الذي يعتريه. صور حية تعبر عما اقترفته قوات الاحتلال من مجازر وحشية ضد أطفال ونساء وشيوخ وعموم البشر والحجر والشجر الفلسطيني. وعلاوة على ذلك، وفي تقرير «للمرصد الأورومتوسطي»، كشف النقاب عن «توثيق مصوّر لشهادات مدنيين فلسطينيين في قطاع غزة يفيد باستخدام قوات الاحتلال للمدنيين والأطفال الفلسطينيين دروعاً بشرية بصورة بشعة، وقتلهم عمداً وبشكل مباشر في حالات أخرى».
عشرات المقالات انتشرت في كبريات الصحف الأمريكية والبريطانية بخاصة، والغربية بعامة، تنتقد إسرائيل وحربها على قطاع غزة. عديد صحف العالم الغربي، لا سيما في الدول المعروفة بقربها من إسرائيل، أولت اهتماما كبيرا بجرائم الاحتلال، على رأسها مشهد قتل الأطفال الفلسطينيين على شاطئ غزة أثناء لعبهم على مرأى من صحفيين أمريكيين لقناة إن بي سي الأمريكية، الأمر الذي ساهم في أن يعلق المشهد المأساوي في ذاكرة الأمريكيين. هذا، عدا عما نقلته معظم الفضائيات العالمية والوطنية، وما تم تداوله بكثافة في شبكات التواصل الاجتماعي. ومن الكاشف ما كتبته صحيفة «الغارديان» البريطانية في افتتاحيتها: «إن الحروب تقتل البشر، بمن فيهم المعلمون داخل فصولهم، والممرضات في مستشفياتهم، والمزارعون الذين يعملون بحقولهم، ولكن عندما يموت الأطفال جراء صواريخ تستهدفهم مباشرة فهذا نوع آخر من القذارة، فالأطفال لا يملكون أدنى مسؤولية تجاه ما يحدث أو حتى تواطؤ البالغين».
إسرائيليا (ومن باب عرض نماذج ساطعة عن تعليقات بارزة أيضا وبما يسمح به حيز المقال)، نشرت «الغارديان» مقالا للكاتبة (يولي نوفاك) انتقدت فيه تصرفات الجيش الإسرائيلي خلال الحرب على غزة، وخاصة بما يتعلق بسلوكيات سلاح الجو. وأشارت الكاتبة، التي سبق لها أن خدمت كضابط في سلاح الجو الإسرائيلي، إلى أن «الطيارين الحربيين الإسرائيليين لم يعودوا يتورعون وهم يصبون مئات الأطنان من القنابل والمتفجرات على رؤوس المدنيين العزل في غزة.. الجيش الإسرائيلي كان في السابق يراعى الأخلاقيات لكنه لم يعد كذلك الآن». وقالت إن «الغضب الشعبي الإسرائيلي الذي كان منتشرا في السابق من قصف الجيش للمنازل في غزة تحول الآن إلى لا مبالاة... مع مرور السنين ومن عملية عسكرية لأخرى تباعدت الخطوط الأخلاقية الحمراء». أما (أميرة هاس) فقد كتبت في صحيفة «هآرتس» مقالا ساخرا قالت فيه: «إذا كان الانتصار يقاس بعدد القتلى في الجانب الآخر فإن الجيش الإسرائيلي حقق انتصارا كبيرا، فقد قتل ما يقارب 2170 وجرح عشرون ألفا بينهم 70% إلى 80% مدنيون». ثم تساءلت بتهكم: «إن كان الانتصار هو أن يضطر العدو لحمل عدد من الأطفال المذبوحين على حمالة واحدة لعدم وجود ما يكفي من الحمالات، فقد انتصرتم يا رئيس الأركان (بني غانتز) ويا وزير الدفاع (موشي يعلون) – أنتم والشعب المعجب بكم». ثم قالت: «إن كل هذه الانتصارات تساعد على انهيارنا الأخلاقي.. الهزيمة الأخلاقية لمجتمع لا يقوم بمراجعة نفسه، مجتمع يعتبر نفسه من بين المجتمعات المستنيرة. هذا المجتمع الذي يبكي جنوده القتلى، وهذا طبيعي، ولكنه فقد الإحساس تماما تجاه معاناة وشجاعة الناس الذين يهاجمونهم». واختتمت المقال بقولها: «إن هزيمتنا الأخلاقية ستطاردنا لأعوام طويلة».
مشهد الانحدار الأخلاقي في الحرب على قطاع غزة، سواء على صعيد العدائية العسكرية أو التحريض السياسي، يشير إلى أن المجتمع الإسرائيلي بات مجتمعا كارها لكل ما يتعلق بالسلام، وأنه لا يكترث بالمسائل الأخلاقية وحتى القانونية الدولية، وأن أكبر كذبة إسرائيلية قول مسؤوليها أن دولتهم – يا للعجب–تفعل كل شيء لتفادي الخسائر المدنية في حروبها ضد الشعب الفلسطيني. وحقا، باتت العقلية الإسرائيلية، سواء السياسية اليمينية/ الفاشية أو العقلية العسكرية الاستعمارية /»الاستيطانية»، باتت قاصرة عن استيعاب حقيقة بسيطة مفادها أن القوة العسكرية لا تستطيع أن تحقق الردع مع شعب من اللاجئين أعزل ومحاصر وليس لديه ما يخسره لكنه يملك القضية والكرامة والإرادة للمقاومة. وشمس الحقيقة عن انعدام «المسؤولية الأخلاقية» الإسرائيلية، سواء على صعيد طبيعة الكيان الصهيوني أو ممارساته، شمس لم تعد تغطى بغربال ولا حتى في الغرب... كما كان الحال سابقا.