حتى لو كان صحيحاً أن الأردن يزرع و يبيع ويُصدِّر خضاراً للمتدينين اليهود فما هي المشكلة في ذلك؟ إنه لا يؤجر أرضاً بل يبيع خضاراً ولعل ما تعرفه «الفضائية» التي جعلت من الحبة قبة والتي دأبت بالنسبة لهذا البلد على الاصطياد في ما تعتبره مياهاً عكرة وذلك مع أن مياهنا كقلوبنا دائماً وأبداً صافية أنه بإمكان هؤلاء المتدينين اليهود أن يستوردوا ما يحتاجونه من خضارٍ وغير خضارٍ من أوروبا ومن أفريقيا ومن بلاد الله الواسعة وربما بأسعار أقل كثيراً من أسعار الخضار الأردنية هذا إذا كان هذا الخبر صحيحاً!!.
قبل فترة أثارت قوى وأحزاب البطالة السياسية عاصفة هوجاء إعتراضاً على إتفاقية ،لم تستكمل بعد، لشراء الغاز من إسرائيل وكل هذا وبينما تعرف هذه الأحزاب أنَّ الغاز المصري بقي يتدفق على إسرائيل تنفيذاً لإتفاقيات كامب ديفيد حتى في عام ولاية «أمير المؤمنين» محمد مرسي وذلك بينما دأب الإخوان ،إخوان «إخواننا»، على إستهداف الأنابيب الموصلة لهذا الغاز إلى الأردن مما كلف الخزينة الأردنية المثقلة بالهموم أكثر من ملياري دولار.. عداً ونقداً!!.. أليس هذا كيلاً بمكيالين؟!.
ثم وإن المعروف أن وهج ذهب عجلون!! قد أفقد «إخواننا».. وإخوانهم عقولهم عندما وفَّر لهم فرصة ليغضبوا غضبة غضنفرية وليحاولوا إستثارة الأردنيين ،الذين لم تعد تنطلي عليهم مثل هذه الألاعيب، وتحريضهم بحجة أن بعض الخبراء الإسرائيليين قد شاركوا في تفكيك أجهزة تنصت كانت إسرائيل زرعتها في هذه المنطقة وفي أربع مناطق أخرى وحقيقة انه كان بالإمكان تحمل «مرجلات» هؤلاء لو أنهم لم يصمتوا صمت أهل القبور ولم ينبسوا ولو بكلمة واحدة عندما جاء خبراء إسرائيليون ،بعد ذلك الإنذار الشهير الذي وجهه راحلنا الكبير الملك حسين، أمطر الله تربته بشآبيب رحمته، لإنقاذ حياة خالد مشعل بعد حادثة شارع «الغاردنز» في عام 1997.
وهنا فإنه لابد من الإشارة إلى أن هذا البلد في عام 1969 ،عندما تم زرْع أجهزة التجسس والتنصت هذه في منطقة عجلون وفي مناطق أخرى، كان يمر في طروفٍ غير عادية وكانت أجهزة الدولة غائبة إنْ ليس غياباً كاملاً فشبه كامل وهكذا فقد كان بإمكان الإسرائيليين زرع المئات من هذه الأجهزة التي ثبت أنهم زرعوا مثلها في العراق.. نعم في العراق وفي سوريا وبالطبع في لبنان.. وأيضاً ربما في مصر.. والمعروف أنَّ العرب بدورهم قد إستطاعوا على مدى هذا الصراع الطويل تحقيق إختراقات أمنية أساسية كثيرة في الدولة الإسرائيلية.. والمفترض أن مسلسل رأفت الهجان لا يزال حياً في الذاكرة العربية.
أبلغني شقيق عراقي ،بينما كانت عاصفة ذهب عجلون في أوجها، أنَّ «عالماً» عراقياً كان في مواقع المسؤولية الأولى ،وهو يعيش الآن في عمان، قد اكتشف في تلك الفترة المتقدمة أن مروحيات إسرائيلية قد تمكنت من إختراق منظومة الدفاع العراقية وأنَّ من كانوا فيها زرعوا أجهزة تجسس في أسلاك الإتصالات الأرضية في منطقة «الرطبة» للتجسس على إتصالات قيادة الجيش العراقي مع وحداتها المرابطة في الأراضي الأردنية.. وقد أبلغني هذا الشقيق العراقي أن «تفكيك» هذه الأجهزة قد كلف العراق إستشهاد خمسة من أفضل المهندسين العسكريين المتخصصين في التعامل مع مثل هذه الحالات الصعبة والمعقدة.
ولذلك فإنه أمرٌ طبيعيٌ وعادي أن تتبادل الدول التي تتوقف الحروب بينها فتح دفاترها القديمة وأن تتبادل التعاون في حالة كحالة «إنقاذ» خالد مشعل وفي حالة كحالة نزع أجهزة التجسس التي زرعتها إسرائيل في عجلون والتي مثلها مثل الأجهزة التي أكتشفت في الرطبة العراقية وأدى تفكيكها إلى إستشهاد خمسة من خيرة المهندسين العسكريين.. إنَّ هذه مسائل عادية وبخاصة وأنَّ هناك إتفاقية وادي عربة التي من المفترض أنَّ حتى «هؤلاء» قد تيقنوا أنها كانت ولا تزال لمصلحة فلسطين والقضية الفلسطينية أكثر مما هي للمصلحة الأردنية.. وحقيقة أن المصلحة واحدة وأن هذه القضية المقدسة هي قضية أردنية كما هي قضية فلسطينية.