في الوقت الذي تقف فيه الولايات المتحدة هذا الموقف الرديء بـ»التذيُّل» لإسرائيل بادرت بريطانيا العظمى ،التي نحمد الله ونشكره أن محاولة إنفصال سكوتلاندا عنها لم تنجخ، إلى إتخاذ خطوة تاريخية ،ستستكملها لاحقاً بالتأكيد، عندما صوت برلمانها العريق على إعترافٍ مبدئي ،غير ملزم للحكومة، بالدولة الفلسطينية المستقلة بأكثرية 274 صوتاً مقابل 12 صوتاً فقط مما يؤكد أن هذا الإعتراف جديٌّ وأنه يعبر عن التوجهات الحقيقية لأغلبية الرأي العام البريطاني تجاه قضية فلسطين وتجاه هذا الصراع ،الذي طال أمده أكثر من اللزوم، في الشرق الأوسط.
وبالطبع فإنَّ المؤكد أن الذين صوتوا على هذا الإعتراف والذين لم يصوتوا عليه من اعضاء مجلس العموم البريطاني مثلهم مثل كل أبناء الشعب الفلسطيني وكل العرب في هذه المنطقة قد تذكروا وعد بلفور المشؤوم الشهير في عام 1917 الذي قطعته بريطانيا العظمى على نفسها في ذروة الحرب العالمية الأولى بإقامة «وطن قومي»!! لليهود في فلسطين وهو الوعد الذي وصفه العرب بأنه وعْدُ من لا يمْلك لمنْ لا يستحق.
دعا هذا القرار الذي أُتُّخذ بأغلبية ساحقة الحكومة البريطانية إلى :»الإعتراف بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل كمساهمة في تأمين حلٍّ تفاوضي يكرس قيام دولتين» في المنطقة.. والمؤكد أن الحكومة البريطانية سوف تستجيب لهذه الدعوة إنْ في عهد حزب المحافظين بقيادة ديفيد كاميرون وإن في عهد حزب العمال الذي هو الآن في موقع المعارضة وأغلب الظن أن هذه الإستجابة المطلوبة ستتم في فترة لاحقة قريبة أولاً :لأن هذا هو توجه الشعب البريطاني وثانياً :لأن عدد الدول التي باتت تعترف بالدولة الفلسطينية أصبح مائة دولةٍ ودولة بعد إنضمام السويد مؤخراً إلى هذه المجموعة العالمية الهائلة.
وهنا فإن ما يضحك حقاً و»شر البلية ما يضحك» هو أنَّ إسرائيل قد ردَّت على هذه الخطوة البريطانية الهامة جداً والموفقة جداً بوصفها أنها :»غير ناضجة وأنها تعرقل جهود التسوية السلمية بين الطرفين».. فأيُّ جهود تسوية هذه التي تتحدث عنها حكومة بنيامين نتنياهو وبكل وقاحة.. طالما أن مفاوضاتها قد استمرت أكثر من عشرين عاماً وطالما أن هذه المفاوضات التي بدأت عدمية وانتهت عدمية قد شارك فيها ثمانية من رؤساء الحكومات الإسرائيلية أشهرهم بالطبع اسحق رابين الذي اغتاله المتطرفون الإسرائيليون لأنه أبدى نوايا طيبة بالفعل تجاه عملية السلام وتجاه حلّ قيام دول فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية.
إن أهم ما يعكسه هذا التصويت البريطاني هو أن لحظة الحقيقة قد حانت وهو أن السياسة الواقعية والعقلانية التي اتبعها ياسر عرفات (أبو عمار) وواصلها وزاد عليها محمود عباس (أبو مازن) قد توجت كفاحاً طويلاً خاضه الشعب الفلسطيني كانت محطته الرئيسية إعلان الثورة الفلسطينية المعاصرة في عام 1965 وهو أن الإعتراف بالقرار الدولي رقم 242 في المجلس الوطني الذي انعقد في الجزائر في عام 1988 كان خطوة ضرورية وموفقة في غاية الأهمية وهو أيضاً أن إتفاقيات أوسلو في عام 1993 لم تكن مؤامرة بل هي البداية التي استمر إستكمالها بصبر فلسطيني كصبر أيوب هذا الصبر الذي نجح في استدراج كل هذه الإعترافات الضرورية والهامة بالدولة الفلسطينية والتي ستلتحق بها الولايات المتحدة الأميركية لا محالة لأن عدم إلتحاقها بها وفي القريب العاجل سوف يكون مكلفاً لأميركا ومكانتها ومصالحها في هذه المنطقة وفي العالم كله.
ليواصل بنيامين نتنياهو الصراخ والكذب والتهويل كما يشاء فلحظة الحقيقة قد حانت وهو بالتأكيد سيدفع ثمن عناده وعناد إسرائيل غالياً إنْ هو كرئيس وزراءٍ لدولة محتلة ومغتصِبة وقمعية لن يدرك أنَّ هذا الصراع قد وصل إلى نهاية الشوط وأن العالم ،بما فيه حتى بريطانيا وحتى الولايات المتحدة، لم يعد يقبل لا ضميرياً ولا سياسياً ولا أخلاقياً ولا مصلحياً بهذا الإحتلال الغاشم الذي هو آخر إحتلال في الكرة الأرضية.. وبالتالي فإن الثمن سيتضاعف كثيراً وقد يكلفه على المدى الأبعد وجود دولته إن هو بقي متمسكاً بمواقفه العدمية هذه وإن هو بقي مُصراً عليها فالتاريخ يسير إلى الأمام ولا يعود إلى الخلف.. وتحيا بريطانيا لإتخاذها هذه الخطوة التاريخية رغم أنها جاءت متأخرة كثيراً!!.