برغم الجديّة في البحث عن طريق إلى غرينلاند، بدا الأمر صعباً ومعقداً. اسم لا يعرفه أحد ولم تسمع به وكالة سفر. لكن كل الأماكن المأهولة لم تكن واردة كبديل: لا نيويورك، ولا باريس، ولا إسبانيا ولا أفريقيا الشرقية. ما من مدينة كانت بعيدة على مسافة كافية عن بيروت.
قبل حوالى عشر سنين، كنت في نيويورك كعادة السنين منذ 1973. وعندما حان موعد العودة إلى لندن، بدأت في تنفيذ جدول الزيارات الوداعية لأصدقاء المدينة. كانت المفاجأة في الزيارة الأولى. ما إن ذكرت أمام الصديق، كثيرِ الأعمال، أنني أنوي العودة، ضغط زر الهاتف الذي يصله بالسكرتيرة، وقال لها: «جولي، متى ستسافر الطائرة إلى لندن؟» وجاء صوت جولي صارماً وحاسماً: «بعد ظهر الثلاثاء المقبل». شكرها، وضغط زراً آخر من أزرار إمبراطوريته، وأكمل الحديث بكل هدوء: «وفّر على نفسك عناء الترتيبات والحجز والتذاكر. الثلاثاء يكون السائق عندك في الفندق». ثم ضغط زراً ثالثاً إلى مساعدته: «جولي، يبدو أن ضيفنا سوف يسافر على الـG5 الثلاثاء. تولي كل شيء».
كان الصديق العزيز يتحدث عن الطائرة الخاصة، وكأنه يتحدث عن سيارة «غولف» يستخدمها موظفو مكتبه. تطلعت من زجاج الطابق الخمسين، فوجدت نيويورك تحتنا بقليل، وفوقنا بكثير. وشعرت بأن نوعاً من الغموض يحيط بالمسألة: هل الصديق مسافر هو أيضاً إلى لندن أم الطائرة فقط. وطرحت السؤال بكل ما أعطيت من مراعاة لعادات وأمزجة الأصدقاء، الذين لم يعودوا يعرفون صالة الانتظار في المطارات وطوابير الانتظار: هل أنت مسافر معنا؟ لا. هو ليس مسافراً معنا. هو «مضطر» لأن يكون في هذا الوقت في المكسيك لمؤتمر دول أميركا الوسطى. ولرحلته سوف يأخذ الـ«GK11»، لأنه في العودة سينقل معه وفد السلفادور.
بطريقة تقليدية عتيقة، نشرت الخبر بين الأصدقاء، إنني عائد إلى لندن على طائرة خاصة. وصرت أسميها «G5»، كما لو أنني أعرف الفرق. وشرح لي السائق في الطريق أنني سأقلع من مكان خاص، وأن ليس معي على الطائرة سوى «المدير»، وسوف يعتني بمطالبي طوال الطريق.
وما بين البراءة وأختها، سألت عن المضيفات، فقال إن طاقم المضيفات كله على طائرة المكسيك، الـ«G11 K2 700» بنسختها الموسعة، أو شيء من هذا.
كان المدير ينتظرني في المطار، وهو رجل مصري أنيق كان طياراً، وبعد تقاعده، انضم بصفة مساعد طيار إلى موظفي «الراجل الكبير».
إلى اللقاء...