أخر الأخبار
«قواعد اليمن السبعون»
«قواعد اليمن السبعون»

قبل أن يصبح رئيساً لمجلس القيادة الرئاسي للجمهورية اليمنية، وضع الباحث رشاد محمد العليمي أطروحته الموسومة «الأساليب التقليدية لحل النزاعات في اليمن: دراسة في التاريخ الاجتماعي»؛ واستعار من رسالة العلامة محمد بن علي الشوكاني «الدواء العاجل في دفع العدو الصائل» تشخيص أوضاع الدولة والمجتمع أثناء مرحلة وصفها المؤرخون بأنها من «أسوأ مراحل التاريخ في اليمن إدارياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً» نتيجة «فقدان الدولة القوية العادلة القادرة على تحقيق الأمن والاستقرار، وفساد الجهاز الإداري الذي يعتقد الشوكاني أنه أدى إلى فساد المجتمع ككل» حسب الرئيس الباحث.

تردت الأوضاع وغابت الدولة القوية فنشبت خلافات القبائل اليمنية. بسبب هذه الظروف نشأت الحاجة إلى تنظيم الصلح والتفاهم بين الخصوم؛ فاهتدوا إلى وضع قواعد عرفية سُميت بـ«القواعد السبعين».

تعددت تفسيرات التسمية أكان لارتباطها بعدد واضعيها، أم بعدد القواعد نفسها؛ رجح العليمي الأخيرة.

«قواعد اليمن السبعون» العرفية وضعت سنة 1127هـ - 1527م بلهجة عامية تخص منطقة (بَرَط - الجوف). «تردد» الرئيس الباحث إزاء شرحها؛ لكن «رغم التحفظات والتردد الذي أحبطني - القول للرئيس العليمي - عن القيام بهذه المَهَمة...» فقد أقدم على «خوض هذا العراك...» من باب «يجود الكريم بما في يده». جادت يده بما في رأسه وسط كراسه، ودرس الأوضاع العامة للبلد المعروف تاريخياً بأنه «مسرح صراع الفرق الإسلامية المختلفة» وممر للطامحين، ومتنفس لنفوذ المتنافسين: «الاحتلال الحبشي، الحكم الفارسي، دخول عصر الإسلام، ثم الوجود العثماني فالوجود المصري الحديث والاستعمار البريطاني لعدن وفرض الحماية».

الرئيسُ العليمي المُلِمُ بعِلمَي الاجتماع والفلسفة، تطرق كذلك إلى وجود قواسم مشتركة بين محافظات اليمن جنوباً وشمالاً تدحض «دعوى وجود اختلاف شامل بينهما... تقابلها دعوات أخرى تقول إن هناك أصلاً، وهناك فرعاً...» معتبراً أن «الدعوات غير الواقعية تحمل نفس التطرف والبعد عن الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع بأبعاده التاريخية». كما يبين تأثير فوارق البيئة على البُنى القبلية اليمنية، حيث انتشار الزراعة والأراضي الخصبة جنوباً أفقد البناء القبلي جذوره العميقة التي تحتفظ بها مناطق أخرى ذات أراضٍ مجدبة شمالاً، تبدو أكثر تماسكاً والتزاماً عصبياً من غيرها.

ومع أن القبيلة تُعَد نواةً وأساساً للدولة قديماً وحديثاً، لكن مختلف الدول - الإمامية وغيرها - تعاقبت على إخضاعها بالترهيب والترغيب، عن طريق: «نظام الرهائن، دفع المخصصات، إعفاء الأقوياء من الضرائب، استخدام العنف وضرب قبيلة بأخرى».

... - لم تَفُت الإشارة إلى «ما تم تحديثه» من ممارسات البطش والإخضاع عند «تحديث» الأطروحة للطبع ثانياً كإصدار (لمؤسسة أروقة) استجابةً لطلب الباحثين والمهتمين -...

على «التردد» تغلب الرئيس الباحث، موضحاً فحوى وجدوى القواعد اليمنية بشأن «القتل والاعتداء، الحقوق المدنية والعامة، وإجراءات التقاضي» وكيفية التعاطي معها، وكذا ترتيبها لأولوية إنصاف المعتدى عليهم «المرأة والطفل قبل غيرهم من الراشدين».

ولأن «هذه القواعد ليست عامة، ولا يلتزم بها كل أفراد المجتمع اليمني بحكم قِدَمِها، لكنها... ما زالت مرتكز العرف» وفقاً للعليمي «كالحكم على المعتدي أثناء الصلح»... مثلاً، لتحقيق «الأمن والسلام الاجتماعي، وخفض التوترات».

«قواعد اليمن السبعون» كأساليب «تقليدية» لحل النزاعات في اليمن، هل تخضع للتطبيق على من تسبب بمعاناة ملايين اليمنيين ومس حقوقهم وهدد حياتهم واعتدى على حاضرهم وقَتَلَ مستقبلهم بإحياء صراعات الماضي، أم ثمة أساليب «حديثة» لحل النزاعات وفك التعقيدات الجديدة تتكشف لذوي الخبرة العلمية والعملية، فتجعلهم يجِدّون في سبيل العمل على بسط سيادة القانون وحضور «الدولة القوية العادلة القادرة على تحقيق الأمن والاستقرار» و«السلام لليمن».