المقابلة الصحفية التي أجراها وزير الحرب الصهيوني موشيه يعلون مع صحافة العدو، يجب أن تُقرأ بعناية كبيرة، لأكثر من سبب، فهي تنطوي على قدر كبير من الصراحة الخشنة البعيدة عن الدبلوماسية واللف والدوران، فضلا عن انها تصدر عن قاتل محترف، يجلس على رأس المؤسسة العسكرية، وما يجري في دماغه ليس شعرا، بل خططا عسكرية ورؤية تجد طريقها إلى التطبيق، وأخيرا فهي سياحة غير ممتعة في رأس قاتل نفذ بيديه عمليات قتل مباشرة، لقادة فلسطينيين يشكلون علامات فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني..
يعلون هذا هو صاحب المقولة الشهيرة: «ليس من المتعة أن تقتل عدوك بيدك، فعندما يقتل عدوك نفسه بيده أو يد أخيه فإن المتعة أكبر وهذه سياستنا الجديدة، أن نُشكّل مليشيات للعدو فيكون القاتل والمقتول من الأعداء» وهي تعني الكثير الآن، في ظل الانشقاق العميق في الصف الفلسطيني، والتحالف العربي الصهيوني الجديد، المُصر على حرمان المقاومة من تحقيق أي إنجاز سياسي يمكن أن يُعزى لها، بعد أن حققت إنجازا لافتا في ميدان القتال، ويمكن ان تكون خطة العمل الجديدة ليعلون في غزة تحديدا!
موشيه يعلون من أشد رافضي قصة «السلام» برمتها وأحد أشد دعاة الاحتلال والتوسع حماسة، وسيرته «المهنية» حسب المصادر المتاحة تقول أنه «يستمتع» حين يقتل «عدوه» بيديه، شارك مباشرة في اغتيال الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية أبو جهاد العام 1988 في تونس، وقاد عملية اغتيال أبو على مصطفى، أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في رام الله، وأصبح جنرالاً في 1995، ثم رئيساً لوحدة الاستخبارات، ثم تسلم قيادة منطقتي الشمال والوسط قبل أن يصبح رئيساً لهيئة الأركان عام 2002. كما بنى لنفسه صورة «المتشدد» حيث كان خلال خدمته العسكرية في طليعة من قاموا بقمع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ولم يتردد في وصف الفلسطينيين بـ»السرطان»، وعارض اتفاق تبادل الأسرى مع حركة حماس العام 2011 والتي خرج بموجبها 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل إطلاق سراح جلعاد شاليط. ورفض تفكيك مستوطنات غزة العام 2005. فهو يقول أن «اليهود يستطيعون ويتوجب عليهم العيش في كافة أرض (إسرائيل) (الحدود التوراتية) إلى الأبد». وهاجم يعالون في العام 2009 حركة السلام الآن المناهضة للاستيطان ووصفها بـ»الفيروس»، خاصة بعد أن كشفت أنه صادق خلال فترة 4 شهور منذ بداية ولايته على بناء 3 آلاف وحدة سكنية جديدة بالمستوطنات المقامة على أراضى الفلسطينيين فى الضفة الغربية المحتلة، ويرفض يعلون الانسحاب من «ملليمتر واحد» من الأراضى المحتلة العام 67 مؤكداً عدم وجود أى مشكلة ببقاء الوضع الحالى بشأن المفاوضات والصراع الفلسطينى الإسرائيلى مائة عام قادمة!
هذا هو يعلون، الذي قال في مقابلته تلك، أن» أقصى ما سيحصل عليه الفلسطينيون في المفاوضات مع إسرائيل هو حكم ذاتي فلسطيني، ويمكن من وجهة نظري أن يطلقوا عليه الإمبراطورية الفلسطينية!»
الخوف هنا من تحويل «ملف المصالحة» بين حركتيْ فتح وحماس، إلى محاولة لإنتاج «نسخة غزة» للتنسيق الأمني في الضفة الغربية، ولكن بنكهة دموية، لأن «العدو» في غزة مسلح، وشرس وأكثر خطورة، ويحتاج إلى انتهاج سياسة جديدة، وللأسف، ثمة من يعتقد في جهاز السلطة الفلسطينية، بأن مهمتهم «الوطنية» قمع ابناء جلدتهم، ومنع نشوء أي مقاومة حقيقية، عبر تسخيرهم لكل ما يملكون من قوة، كي يكونوا أداة في يد الاحتلال، ومن أسف أيضا أنهم سجلوا «نجاحا» كبيرا في الضفة الغربية، حين منعوا ولم يزالوا اندلاع الانتفاضة الثالثة!