الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقه يحسب له التاريخ، انه حقن دماء الجزائريين، اذ جاء رئيسا في فترة دموية ادت الى قتل عشرات الاف الجزائريين، وفي عهده انطفأت فتن كثيرة في ذلك البلد العربي المهم جداً. ولأن الرئيس خسر جزئيا في ترشحه الاخير، وعودته الى موقعه، في ظل سخط لقطاعات شعبية معينة، ورفض بعض مراكز القوى في ظل مرضه لعودته، فقد كان لزاما ان يبدأ مرحلته الرئاسية بإجراءات عديدة تنفس الاحتقان في الجزائر، لا..جدولة المطالب فقط. هي الجزائر اليوم، التي تقع بين ليبيا وتونس وثورتهما من جهة، والمغرب من جهة اخرى، وتحديات الجزائر الكامنة عادت وانفجرت، من جديد، بشكل يختلف تماما عما مضى. ليس مشهد آلاف الشرطة الذين يحتجون إلا الدليل الأخطر على السيناريو الذي ينتظر الجزائر، لحسابات داخلية واقليمية ودولية، في هذا التوقيت بالذات، وبإسناد الغضب الشعبي جراء الجوع والفقر في بلد يعوم على بحر من الثروات والجنرالات ايضا. اذا كان رجال الشرطة الذين يطبقون القانون، يخرجون في فورة غضب جراء اوضاعهم الاقتصادية، ومطالبهم تصل الى تسعة عشر مطلبا، ما اضطر الحكومة للتجاوب مع طلباتهم، وفض الاعتصام دون اضرار، بواسطة الحرس الجمهوري في الجزائر، فماذا يمكن ان يقال للناس اذا خرجوا غضبا، وهل التوصيف الوظيفي للشرطة بقي قائما بعد غضبهم، أم باتوا مجرد جمهور يرتدي زي الشرطة؟!. المظالم الكامنة لايمكن السكوت عليها، فهناك دول تغرق في هذه المظالم وحكوماتها اطمأنت الى ان فوضى الغضب تجاوزتها جراء دموية الربيع العربي، فعادت الى سابق عهدها وكأن شيئا لم يكن، والجزائر انموذج واضح، يقول ان كمون المظالم لايعني غيابها كليا. غير ان مشهد الجزائر، يقول ان الصراع في المؤسسة العسكرية والامنية كبير، وقد يكون هناك خيوط لتحرك الشرطة، تمتد الى مراكز امنية وعسكرية، وقفت اساسا ضد ترشح الرئيس الجزائري، ويراد ارباكه وحرق القوى الامنية التي تحالفت معه لإعادته مريضا الى سدة الحكم في الجزائر. اخطر ما في الجزائر سبعة ملفات: الاول المظالم العامة، ثانيها وقوعها بين دول مشتعلة ومحترقة، وثالثها كنوز النفط والغاز الجزائري والصراع الدولي عليها، ورابعها صراع القوميات والاعراق من عرب وامازيغ وهو صراع مؤجل، وخامسها، الانقسام غير المعلن في المؤسسة العسكرية والامنية وصراع مراكز النفوذ فيه، وسادسها ضعف مؤسسة الرئاسة وهشاشتها هذه الايام، وسابعها الجماعات المتشددة.
في كل الحالات الكلام الذي قد يقال للرئيس الجزائري اليوم، ان عليه ألا يختم عهده مثلما كان الجزائر في مطلع حكمه، فلا يعيده الى الدَّم، ولايكون مسك ختامه دموياً، ولابد ان يبحث عن حل لكل تلك العقد، حتى لا تلتحق الجزائر بالدول الذبيحة، آجلا أو عاجلا، لأن المؤكد ان (فيروس الخراب) يتحرك في كل مكان، وهناك عوامل محلية ودولية في كل بلد تغذيه بوسائل مختلفة. وعلى العرب ان يسارعوا الى الجزائر، ولايتركوها للمصير الذي يخطط لها، لأننا قد نصحو بعد قليل وقد بتنا بحاجة الى قارة سادسة ينتقل اليها العرب، من كل هذه الدول الخربة، ومخيماتها المنتشرة في كل مكان. غضبة الشرطة لم نر مثلها في اي بلد عربي خلال السنين الفائتة، واذا كانت الشرطة تغضب، فماذا تركت لعامة الناس، وغضب الجزائري في الايام العادية، يفوق العربي العادي، فما بالنا اذا قرر ان يغضب بشكل مسبق؟!. والسؤال مفرود للإجابة؟!