أخر الأخبار
لا يكفي التوافق على الحكومة !
لا يكفي التوافق على الحكومة !

رغم بدء دخول كميات من الإسمنت بحضور الأمين العام للأمم المتحدة، إلى قطاع غزة، إلا أن عجلة الأعمار لن تمضي بسهولة، بسرعة، أو يسر، كما يتمنى أو يشتهي بعض أو حتى معظم الفلسطينيين، فقد أكد أكثر من مسؤول وأكثر من جهة، وحتى عدد من المراقبين الذين حضروا مؤتمر القاهرة، على أن هناك عدة عقبات تحول دون ذلك _ إضافة إلى ما كنا قد ذكرناه في مقال سابق _ من عدم التزام محتمل لعدد من الدول، بما كانت قد أعلنته من مبالغ مالية، فان المتابعين أشاروا إلى مسألتين يبدو أنهما نوقشتا أو طرحتا _ على الأقل _ ضمنا، بين المانحين، وهما، ضرورة تحقق هدنة طويلة الأمد، وضرورة بسط السلطة سيطرتها على قطاع غزة.
موضوع الهدنة أو التهدئة، أشار إليها البيان الختامي، وما هي إلا أيام وتعيد العاصمة المصرية الدعوة للجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، للبحث مجدداً في تلك الهدنة، والتي _ بتقديرنا _ قد لا يتمخض عنها شيء، فبعد وقف النار، ومضي أكثر من شهرين على انتهاء الحرب، ليس فقط الطرفان، بكل مكوناتهما وبكل التفاصيل التي تحيط بهما، لا يبدو أنهما متشجعان للبحث مجددا في هذا الأمر، بل إن لكل منهما أسبابه وحساباته التي تقول بأنه لن يكون متشجعا لتلك المفاوضات .
"حماس" وإسرائيل، بدأتا، عمليا، التحضير لفصل " تفاوضي " آخر، له علاقة بتبادل أسرى الحرب، بغض النظر عما إذا كان لدى "حماس" فعلا جنود إسرائيليون أحياء، أسرتهم خلال الحرب الأخيرة، أو مجرد جثث أو أشلاء جثث، وإسرائيل و"حماس" تفضلان هذا الملف على ذاك، لتجنب الدخول في دهاليز ليس لها نهاية، كما أنها يمكن أن تكشف ادعاءاتهما بالانتصار في الحرب، فيما السلطة تشترط أن تبحث مفاوضات القاهرة في إنهاء الاحتلال وليس في هدنة طويلة الأمد بين غزة وإسرائيل !
أما ما يتعلق بسيطرة السلطة على قطاع غزة، فان كل الدنيا تعرف أن "حماس" ما زالت تسيطر ميدانيا على قطاع غزة، بما يشبه سيطرة حزب الله على لبنان، بل إن سيطرة "حماس" مطلقة، فحتى زيارة رئيس الحكومة لغزة، أصرت داخلية "حماس" على أن "توفير" الأمن لرئيس الوزراء، قد قامت به أجهزتها وليس حرس الرئيس، وهذا السبب هو الذي يحول دون زيارة الرئيس نفسه، منذ سبع سنوات مضت وحتى الآن، وهو ما زال السبب في أن إعلان المصالحة، ظل معلقا في الهواء، وبقي على المستوى الرسمي، أو فوق الرؤوس، ولم يتحول إلى الواقع، أو الى الميدان.
الغريب في الأمر، أنه كلما اشتكى الرئيس، من ملاوعة إسرائيل و"حماس" له، معا، ومنذ عشر سنوات، الأولى في ملف التفاوض، والثانية في الملف الداخلي، تنطح له بعض الناطقين باسم "حماس"، بما لا يخرج فقط عن حدود اللياقة، بل وبما يشير إلى ثقافة سياسية، أقل ما يقال فيها، أنها لا تستوعب وجود رأي آخر، شجاع وجريء، لا يقول بما تقول أو بما تعتقد انه أمر من المحرمات أو المقدسات.
كان المرشح لرئاسة السلطة، محمود عباس، عام 2004، وخلال حملته الانتخابية صادقا وجريئا، ووصف الصواريخ التي تطلقها المجموعات المسلحة من غزة على إسرائيل بأنها عبثية، وقد انتخبته الأغلبية، بناء أو على الأقل، بالرغم من هذا الموقف، لذا وبعد عشر سنوات، آن الأوان، حتى تكون هناك مصالحة، لا تقتصر فقط على تقاسم الحكومة، ولا على " توحيد وزارة المالية " للوصول إلى تقاسم المال العام، وحسب، وحتى تكون هناك وحدة ميدانية لمواجهة الاحتلال، حقا وفعلا، وليس ادعاء وحسب، لا بد أولا من مراجعة إستراتيجية المواجهة مع إسرائيل، بما يحقق توافقا سياسيا وليس توافقا سلطويا وحسب، وبما يصل بنا إلى "تحرير" غزة، من سطوة الاحتلال بحصارها، وتحرير الضفة والقدس من احتلالها، وبالمختصر، بإقامة جبهة توافق ميداني، تضع هدفا لغزة، جوهره التنمية، بعد الإعمار، وهدفا للضفة والقدس، بإطلاق مقاومة سلمية، عليها إجماع وطني.
ومن الواضح هنا، انه يمكن للفلسطينيين، إن ساروا على الطريق الصواب، أن يحققوا ما يبدو أنه أمر مستحيل _ الآن _ نقصد إنهاء الاحتلال والحصار، والشروع الفعلي بإعمار غزة، وذلك بالجلوس على طاولة المصالحة السياسية، والبحث في مفاصل السلطة الحقيقية، ومراجعة إستراتيجيتهم السياسية، ولا شك أن ذلك لا بد أن ينتهي، على أقل تقدير، بتجميع أو توحيد المجموعات العسكرية في غزة، تحت قيادة عسكرية واحدة مرجعيتها القيادة السياسية الموحدة، لأن بقاء الحال هكذا، لا يبقي على قرار الحرب والسلم بيد "حماس" وحسب، بل يبقي على تحكمها وسيطرتها الفعلية على غزة، كذلك بإنشاء مرجعية وطينة _ إلى حين تفعيل وإعادة بناء "م ت ف" _ للمفاوضات، ولمتابعة الكفاح السياسي على الصعيد الدولي، إضافة إلى قيادة وطنية موحدة لمواجهة الاستيطان والجدار والاحتلال في الضفة والقدس، وحتى تشكيل قيادة موحدة تقود كفاح الأسرى في سجون الاحتلال، هذا إذا كان الفلسطينيون حقا، ما زالوا يرغبون في الانعتاق من ربقة الاحتلال، وإلا، فإنهم سيظلوا يدورون في حلقة مفرغة من العبث، الذي يدفعهم إلى مقاتلة أنفسهم، حين ينشغلون عن مقاتلة الآخر _ المحتل!