كان يمكن لهذا العنوان أن يحلَّ مكان العنوان الذي اقترحته هيلاري كلنتون لكتابها الجديد وهو الخيارات الصعبة، فهي في سياق سردها لوقائع عاشتها وشهدت عليها وتحاورت مع إدارة أوباما حولها تنتهي إلى عبارة مغلقة هي أن الخيارات كانت في بعض المواقف أسوأ من بعضها، ورغم أن هذه العبارة وردت في حديثها عن الأزمة السورية المزمنة منذ ثلاثة سنوات على الأقل، إلا أن ما تورده من مواقف بلادها إزاء ثورة الخامس والعشرين من يناير يستدعي العبارة ذاتها وان على نحوٍ غير مباشر، فهي رأت كما تقول أن التغيير السياسي في مصر كان يجب أن يحدث بإيقاع آخر كي لا يعقُب تنحي مبارك فراغ يفضي إلى الفوضى، بعكس ما رآه أوباما عندما استخدم كلمة «الآن» على نحو حاسم وهو يطالب الرئيس مبارك بمغادرة منصب الرئاسة، ورغم القواسم المشتركة بين مذكرات من قادوا الدبلوماسية الأمريكية في عهدي بوش الابن وأوباما من حيث السعي إلى تبرئة الذات إلا أن السيدة كلنتون احتفظت لنفسها بمساحة حرجة، لأنها لا تشعر بأن مغادرتها لمنصبها هي وداع أخير، فهي لم تتنازل بعد عن حُلمها الرئاسي، لتكون أول إمرأة ترأس الولايات المتحدة، خصوصاً بعد أن قدم لها أوباما نموذجاً في كسر حاجز تقليدي في الولايات المتحدة عندما أصبح أول رئيس أسود من أصول إفريقية يحكم البلاد.
وهي بدورها تحلم بكسر الحاجز الآخر وهو أُثنوي، ولعلها قرأت ما كتبه فرانسيس فوكوياما عن تأنيث المستقبل بحيث لا تعود بعض المناصب حكراً على الذكور وحدهم! ومنها منصبا الرئيس في أمريكا.. والأمين العام للأمم المتحدة، وبعيداً عن هذا الشجن الأنثوي فإن السيدة هيلاري شغوفة في إبراز تحفظاتها على الكثير مما يجري في العالم العربي بالتحديد منذ بدأ فيه الحراك عام 2011.
وثمة فارق كبير بين وزير أو وزيرة خارجية يودعان المنصب ويتفرغان للعمل الأكاديمي كما فعلت كوندليزا رايس وبين من يريد لمنصبه القديم أن يتحول إلى مرتكز للقفز إلى ما فوقه، خصوصاً وأن السيدة هيلاري نافست أوباما في انتخابات الرئاسة، بحيث كانت تلك المنافسة بمثابة تدريب على ما نسميه كسر الحاجز الأنثوي.
إن هاجس تبرئة الذات الذي ساد لدى الدبلوماسيين الأمريكيين بعد ترك مناصبهم يتحول إلى هاجس رئاسي لدى السيدة هيلاري!