كان الرئيس الأميركي كلينتون يتفاخر دوماً بوفائه بوعوده بتقليل أعداد العاملين في القطاع الحكومي بنحو ربع مليون وظيفة (11 في المائة) لتصبح الأصغر حجماً منذ عهد سابقه كيندي، بل «الأكثر كفاءة» حسب زعمه. فبعد الحرب الباردة، لم يعد بحاجة إلى أعداد هائلة من العاملين في وزارة الدفاع، حسبما ذكرت افتتاحية «واشنطن بوست» عام 1996.
المعضلة التي واجهت الإدارات الأميركية المتعاقبة أنها لم تُخطط لكيفية تعويض النقص البشري باستخدام التكنولوجيا أو تبسيط العمليات. وذلك على غرار ما فعله الإسكندنافيون في حملة الإصلاح الإداري، بتقليص الوظائف واستخدام التكنولوجيا، وحذت حذوهم بلدان عدة، منها فرنسا والإمارات. وبعد توحيد ألمانيا الشرقية والغربية لغت الحكومة نحو 50 في المائة من الوكالات الحكومية الشرقية (المتخلفة) لبناء جهاز إداري أكثر كفاءة ورشاقة.
الترشيق، مصطلح رديف لإعادة هيكلة الإدارة العامة، وهو محاولة للتخفيف من ترهل حجم الدوائر الحكومية وأعداد العاملين فيها، لتقليل التكلفة وترشيد وتسريع آلية اتخاذ القرارات. وعليه لا بد أن يصاحب ذلك خطة واضحة، ودمج للقطاعات المتشابهة، ومنح صلاحيات أكثر، وتدريب الكوادر العليا على اتخاذ القرارات على الفنيات، لتصعد إلى أصحاب القرار مستندات جامعة مانعة تدعم قراراتهم.
كل جهود الإصلاح الإداري (الترشيق) قد يُستخدم فيها لاحقاً مشرط الجراح؛ ولذلك تتوجس الشعوب خيفة من هذه التغيُّرات. وفي معمعة تلك الخطوات أُطلِق على رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت ثاتشر لقب «المرأة الحديدية»، التي طبّقت إصلاحات إدارية وخصخصة كانت الأشهر في تاريخ البلاد، وتصدّت بقوة -قلّ نظيرها- للنقابات العمالية الغاضبة. ثم نجحت في تقليل تكاليف التشغيل وتعزيز كفاءة الخدمات؛ ولذلك لا يستوعب الناس قيمة التغييرات الجذرية الحكيمة في حياة الأمم إلا بعد ردح من الزمن. وعادة ما ينصف التاريخ أصحابها.
وخطواتنا نحو الرشاقة الإدارية لا بد أن يصاحبها تحليل موضوعي للوضع بعيداً عن الاندفاع، وإشراك الأطراف المعنية، فضلاً عن اختيار الاستراتيجية المثلى، والأهم تحديد الأولويات. ولذا كان من الحكمة تأجيل القرارات الصادمة إلى مراحل لاحقة، والبدء بالأكثر قبولاً من الناس لأنهم وقود التغيير.
اليابانيون رواد «الترشيق» أو ما يسمونه «كايزن»؛ حيث يرتكز على فكرة التحسين المستمر بخطوات صغيرة. فهم يميلون نحو التدرج والاستمرارية في شتى الجوانب، وهذا ما جعل «تويوتا» تتألق وتتفوق على «جنرال موتورز»، لتصبح أكثر السيارات مبيعاً في عقر دار الأميركيين للمرة الأولى منذ عام 1931.
والترشيق يحتاج إليه الأفراد والمؤسسات، لكن عواقبه وخيمة إن لم يستشَر فيه أهل الاختصاص.