إذا كان إقحام العامة في دهاليز السياسة وصراعات القوى السياسية العالمية، سيئاً وقبيح العواقب من قبل، فهو كذلك، وأبشع من ذلك، في وقتنا، وقت انفجار وتخمة انكشاف الكل على الكل في «سيرك» الثرثرة العالمية.
قبل السوشيال ميديا، كان «جل العوام» غير معنيين بنقاش تفاصيل السياسة وخلافات المذاهب والطوائف وجدل علماء التاريخ فيما بينهم، كان ما يعني العامة هو الحصول على رزقهم، والانشغال باليومي من الأمور، والمادي غير النظري من المسائل.
كان دخول العامة في خلاف سياسي أو ديني وما شابه ذلك، نذير شؤم ودليلاً على توظيف طرف «نخبوي» ما لهذا «الوحش» في المعركة، ووصف «الوحش» لحشود العوام، هو وصف المفكر الفرنسي الشهير غوستاف لوبون في كتابه «سيكولوجية الجماهير».
مما قاله لوبون في كتابه هذا: «الجمهور عاطفي جداً، ليس عقلياً بالشكل الكافي، كما يكون الفرد عادة».
وجاء في شرح «نهج البلاغة» لابن أبي الحديد نقلاً عن علي بن أبي طالب هذا التشخيص الرائع في صفة الغوغاء: «هم الذين إذا اجتمعوا ضَرُّوا، وإذا تفرقوا نفعوا. فقيل قد عرفنا مضرَّة اجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟ فقال يرجع أصحاب أهل المهن إلى مهنهم فينتفع الناس بهم».
نعم، إن مضار إقحام العوام، حتى ممن يحملون بعض الألقاب العلمية أو المهنية البراقة، في شؤون السياسة والفكر، سبيل سالك لتكريس الجهل والتجهيل والغوغائية في الخطاب... وهذا يقود لتجذير «عيوب» تربوية مستفحلة في الشخصية.
دعوا الناس في اهتماماتهم التلقائية، لأن بقاء كل إنسان منشغلاً بما يحسن، خير له وللناس كلهم، كما قال الحكيم الخليفة علي بن أبي طالب.
كل شيء تشوه في السوشيال ميديا، أو بسببها، ومن ذلك تلقائية وعفوية العوام، وحكمتهم «الفطرية» في هذا المسرح الاستعراضي الفاقع الصاخب.