كانت تأتينا قطرات الزيت من القدس الى عمان، والشجرة المباركة، ذات قيمة في الاردن وفلسطين، وهي فعلا لا شرقية ولا غربية، في مغزاها الانساني والسياسي والديني، والاجتماعي.
الزيت المعصور من الشجر الروماني، كان بالنسبة لي عاديا، وذات مرة اذ كنت اعمل في لندن منتصف التسعينات، عدت من عمان، بعد اجازة، ومعي اخذت زجاجة زيت، من زيت القدس، هدية رمزية الى صديق باكستاني.
اعطيتها اياه.بكى الرجل.ذرف الدموع، وكأنني اعطيته هدية بمليون دولار، وبدأ يحكي بشغف عن القدس والاقصى والزيت والزيتون.
كلما اقول له ان زجاجة الزيت من القدس، ترتجف اوصاله ازاء هذه الهدية، وهو يراها تعادل الدنيا، اذ يأتيه زيت من شجر القدس.
ليلتها لم أنم، وانا افكر في شغف المسلمين غير العرب، وصدقهم، مقارنة بنا العرب، فالرجل يحكي عن القدس وكأنه ابنها، ويرى زيتها نورا ويسألني ان أعفيه من استعمالها في طعامه.
قد يتذوق الزيت فقط، لكنه يريد حفظها لألف عام، لانها من شجر القدس، ويريد ان يرسلها لأهله في الباكستان لتبقى في بيوتهم.
تستذكر الشجرة العظيمة، في الاردن وفلسطين، لا شرقية ولا غربية، ذات نور، اذ تسمع كيف يجرؤ المطبعون على اهانتها بسرقة ثمرها وبيعه للاحتلال، وكيف يتمادى الغشاشون على العبث بزيتها المبارك؟!.
احدهم يخلط الزيت بزيوت اخرى، واخرون يستعملون الاسانس والنكهات، وثالث يبيع قبل سنين مائة تنكة، فيكتشف الذين قاموا بالشراء، بعد فترة ان الزيت قد نفذ، لكن العبوة ما زالت ثقيلة، وهذا غريب حقا، واذ يفتحوا العبوة، يكتشفون ان البائع الغشاش، احضر كيسا من البلاستيك وادخله من مدخل العبوة، ثم قام بتعبئته بالماء، وربطه واسقطه تماما داخل العبوة، ثم قام بصب زيت الزيتون، وعند الوزن، تكون طبيعية، وحين التذوق لا يرون الا زيتا.
ابليس ربما يعتزل امام هذه القدرات الفذة في الاحتيال، او يغادر المنطقة، بعد ان تولى البشر المهمة نيابة عنه، فمن يخطر على باله هذه الخدعة، ويترك المفاجأة لمشتري الزيت لتظهر فقط بعد شهور من استعمال الزيت، حين يضطر لفتح العبوة كليا، فيرى بالون الماء، وحيدا في قاعها، ووزنه عدة كيلو غرامات.
للزيتون طقوسه، من زراعة الشجرة، وصولا الى شتوتها، ولا يسمم مزاجك الا اشجار الزيتون المزروعة امام البيوت اذ تسبب تحسسا وامراضا صدرية، والسر في الهندسة الوراثية والعبث في جينات الشجرة المباركة، وكلنا يعرف ان اصحاب الزيتون كانوا سابقا ينامون في بساتينهم، فلا تحسس ولا ما يحزنون.
تأنس عينك لرؤية الزيتون، في الشمال الجميل المبسوط مثل كف رجل ذي نخوة، وفي عجلون وجرش والسلط درة الوسط، ومدن الجنوب كما الكرك وغيرها، وتعجب من الزيتون المزروع في ارض صحراوية، وبرغم كل سقايته، الا انك تحس انه يتعذب، لانه جبلي، صاعد، مثل همة رجل، وناصية محارب، لا يقبل الا الجبل.
لا شرقية ولا غربية.لا اجمل من شجر الزيتون في الاردن وفلسطين. ولا يكون النور ممتدا الا حين نكون على ذات روح شجرة الزيتونة، لا شرقيين ولا غربيين.لحظتها يصير نورنا ممتدا، والافق لنا، والحياة، والمستقبل، ويكون لقاؤنا جميعا تحت زيتونة من زيتون الاقصى، نستغفر ونحمد ونسبح ونهلل بفرج الله ذات ميقات!.