من الغريب أن يكون هناك أردنيون، من بينهم من يعرضون أنفسهم على أنهم يعرفون ما وراء أستار الغيب، يستمتعون في أنَّ بلدنا سيأتيه دور «داعش» بل أن بعض هؤلاء يروجون ، داخلياً وخارجياً، بأن لهذا التنظيم في الأردن وجودا فعليا وحقيقيا وأنَّ هذا الوجود لا يقتصر على المؤازرة العاطفية بل يتعداها إلى الخلايا السرية المسلحة الجاهزة لمباشرة «العمل» فور صدور أوامر أمير المؤمنين «أمير الشياطين» أبو بكر البغدادي الذي ستكشف الأيام المقبلة حقيقته وحقيقة «دولته» التي إنْ أردنا أن نشبهها بشيءٍ فإننا نشبهها بدولة قلعة «ألْموت» لصاحبها حسن الصباح وبدولة حمدان قرمط الذي استباح دماء المسلمين ودماء حجاج بيت الله الحرام والذي انتزع «الحجر الأسود» من الكعبة المشرفة ونقله إلى منطقة الإحساء حيث بقي هناك قبل استرداده لأكثر من عشرين عاماً.
هناك «منظرون» ثقَّبوا آذان الأردنيين بالحديث المتواصل عن «داعش» وكأن هذا التنظيم بات قدراً لا مفر منه والغريب أنَّ هؤلاء لا يتورعون ، من أجل إعطاء مصداقية لقناعاتهم، عن الإستشهاد بالإجراءات الأمنية الإحترازية التي تنفذها أجهزتنا الأمنية الباسلة من قبيل قطع الطريق على الذين يفكرون بالإلتحاق بهذا «التنظيم» أو يؤسسون خلايا سرية له في بلدنا عبر وسائل الإتصال الإلكترونية وكل هذا على أساس التصدي المبكر لأي خطر قبل أن يصبح واقعاً وحقيقة.
كل رموز السلفية المعتدلة في بلدنا ، جزاهم الله عنا خيراً، استنكروا «داعش» وأفعالها واستنكروا هذه الدولة التي تسمي نفسها الدولة الإسلامية في العراق والشام ونددوا بـ»أبو بكر البغدادي» الذي أعلن نفسه خليفة للمسليمن بدون لا بيعة ولا مبايعة وعلى غرار ما فعله كثيرون على مدى كل هذا التاريخ الذي ظهرت خلاله أعداد لا تحصى من المصابين باللوثات العقلية ومن الذين كانت نهاياتهم مأساوية وأولهم ذلك الذي ادّعى النبوة مسيلمة الكذاب.
لا شك في أن فقدان الصبر والحيلة عندنا وعند غيرنا تجاه كل هذا الإستهداف للمسلمين السنة وبدوافع طائفية ومذهبية دنيئة في العراق قد دفع البعض وعندنا وعند غيرنا إلى المراهنة على «داعش» وحقيقة أنَّ حال هؤلاء كحال الذي لا يجد ما يفعله عندما «تسْوَدُّ» الدنيا أمامه إلا الإنتحار.
ثم وإنَّ الأغرب والأدهى أن الإخوان المسلمين لم يكتفوا بعدم إتخاذ أي موقف رافض للجرائم البشعة التي ارتكبها هذا التنظيم ضد الإسـلام والمسلمين بل أنهم وبلسان نائب أمين عـام حزبهم حزب جبهة العمل الإسـلامي قد تجاوزوا كل الخطوط الحمراء بقولهم :»إنه لا خيار أمام الكثيرين من المعتدلين الرافضين للتدخل الأميركي والحرب الدولية على الإسـلام!! إلاَّ تأييد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)».
وبالطبع فإن المقصود بـ»المعتدلين الرافضين للتدخل الأميركي والحرب على الإسلام.. الذين لا خيار أمامهم إلاَّ تأييد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)» هو الإخوان المسلمون وهذا في حقيقة الأمر إنْ كان يمثل فعلاً رأي «الجماعة» ورأي حزب «الجماعة» فإنه يعني أننا أصبحنا أمام خيارات صعبة جداً لا يمكننا إلاَّ أن نأخذها إن لم تبادر الحركة الإسلامية إلى إعلان موقف غير هذا الموقف الذي لا يمكن احتماله والسكوت عليه.