رغم كل الألاعيب التي مارسها الإسرائيليون، تجاه شريف خيري، في فيلم "السفارة في العمارة "، والتي استندت إلى التسلل من أضعف نقطة في شخصية الرجل، الذي أدى دوره في الفيلم الممثل الشهير عادل إمام، وذلك من خلال اللجوء إلى استخدام الجنس، كما تفعل عادة المخابرات الإسرائيلية، للإيقاع بمالك الشقة المجاورة لتلك التي تشغلها السفارة الإسرائيلية في القاهرة، حتى تجبره فعلا على التنازل عن الدعوى التي رفعها في القضاء لإخلائهم من العمارة التي يسكن فيها، إلا أن مشاهدة شريف خيري لمشهد تشييع جنازة الطفل الفلسطيني إياد، الذي قتله الإسرائيليون في الانتفاضة، أزال غبار العجز عن الرجل العربي، وأخرجه إلى الشارع ليهتف مع جموع المتظاهرين: فليسقط قتلة الأطفال.
يبدو أن الإسرائيليين الذين سعوا لاحتواء الانتفاضة المجيدة الأولى، التي انطلقت عام 1987، بالذهاب إلى أوسلو، ومنح الفلسطينيين "من الجمل ذانه"، غزة / أريحا، ومن ثم المراوغة عشرين عاما، بدفع الفلسطينيين إلى دائرة الحيرة، بين مساري التفاوض فقط، والمقاومة المسلحة فقط، بما في ذلك نموذج المواجهة عام 2000، ما زالوا يمنون النفس أو يعتقدون واهمين بالطبع انه يمكن الاحتفاظ بالاحتلال، بترتيب كل الإجراءات اللازمة لاحتواء رد الفعل الفلسطيني، حيث ليس صبر غزة، فقط هو الذي ينفد، بل صبر الضفة الغربية والقدس، ومن وراء كل الفلسطينيين، العرب وكثير من المسلمين، حتى لو كانت الصورة، توحي للإسرائيليين بأن الفلسطينيين منشغلون بخلافاتهم الداخلية أو أن العرب عاجزون عن الفعل أو على الأقل عن التضامن مع الفلسطينيين بصراعاتهم الداخلية وتفكك دولهم المركزية في المنطقة.
الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي يبقى دائما هو الوحيد الذي يوحد الجميع، وإذا كان الإسرائيليون يسعون دائما إلى الهروب للأمام، حتى يكون رد فعل عدوهم منفلتا، صاخبا، حتى لا يحوز على التضامن الدولي، نقصد بالطبع التضامن الشعبي الدولي بالأساس، فإن ظواهر التطرف في المنطقة، وحتى رد الفعل الفلسطيني العنيف، لن يطول، فسرعان ما اجترح الفلسطينيون المعجزة عام 1987، كذلك مقابل ظواهر "القاعدة" و"داعش" وغيرها، هناك ثورات شعبية ناجحة في تونس ومصر، ولن يطول الوقت، حتى يصحح الفلسطينيون مسارهم، ويطلقون انتفاضة من شأنها أن تنجح في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
لقد حاول الإسرائيليون بهروبهم دائما إلى الأمام، قطع الطريق على انتفاضة الضفة والقدس، في حزيران الماضي، حين أطلقوا قطعان المستوطنين لمواجهة الشارع الفلسطيني، الذي بدأ يتململ، بعد إغلاق المسار التفاوضي، وحين وصل الأمر ذروته بحرق جماعات الإرهاب اليهودي من المستوطنين الطفل محمد أبو خضير حيا، بشن الحرب المجرمة على غزة، فإنهم أيضا ارتكبوا جرائم الحرب بحق المدنيين، وقتلوا الأطفال أيضا.
كتب الصحافي الإسرائيلي دان أدلست في "معاريف" أول من أمس مقالا، أشار فيه إلى ارتكاب قوات الاحتلال لجريمة قتل الطفل خليل عناتي ابن العاشرة في مخيم الفوار، وذكر أن القوات الإسرائيلية قتلت خلال السنوات الأخيرة ألف طفل وفتى فلسطيني، واصفا سياسة الاحتلال في الضفة الغربية بأنها ابارتهيد لصالح المستوطنين، ويضيف بان إسرائيل تحتجز منذ نهاية شهر آب الماضي نحو مائتي طفل فلسطيني، كل ذلك لمنع انطلاقة انتفاضة أطفال الحجارة مجددا.
هل ستنجح إسرائيل في تأجيل انطلاقة انتفاضة إنهاء الاحتلال، وان حدث فإلى أي مدى زمني يمكنها أن تفعل ذلك، هذا هو السؤال الجوهري هنا، وبات غنيا عن القول، بان العالم بأسره، والتاريخ على مداه، لم يشهد احتلالا يدوم إلى الأبد، لذا السؤال هو متى ستندلع انتفاضة إنهاء الاحتلال، وليس متى ينجح الإسرائيليون في البقاء كمحتلين، وحيث أن المراوغة قد وصلت مداها، فان نهاية الاحتلال قد اقتربت، يرونها بعيدة، ونراها قريبة بأذن الله.
المهم، أن يحتل أطفال اليوم، شباب الغد، مقدمة مسرح المواجهة، وان يقولوا لكل من شاخ، أو تعب، تنحّ جانبا، وكما فعل آباؤهم قبل نحو ربع قرن، لن يطول الوقت، حتى يجترحوا هم أيضا ما بات يعتقده الكثيرون معجزة، وليس لأبنائنا في آبائهم، جيل انتفاضة 1987، أسوة حسنة فقط، بل وفي كل الشباب العربي، الذي نجح بإسقاط أنظمة الفساد والتبعية، قدوة حسنة ثانية، وما لنا إلا أن نقول لهم: على بركة الله.