ليس جديدا خُلو الاسم من الدلالة , فكل جميل ليس بالضرورة له من اسمه نصيب , ولا كل اسم دالٌ على صفته , وخلال مسيرة منظمة التحرير امتلأت الآفاق بأسماء حركية كلها « أبو نضال وما شاكلها « لنكتشف لاحقا أن معظم الآباء بلا أبناء , بل ان الأسماء الحقيقية للابناء على نُدرتها خالفت المعدود ونضالية الأب وأقاموا في عواصم الرفاه الغربية والخليجية ولم يعرفوا بيروت وصمودها ولا المعتقلات وعذابها , فقد ناضل الآباء بغير ابنائهم .
تطور الأمر من الآباء الى الحواضن الثورية والجهادية وكأن العرب بحاجة الى تراكمات الأسى والانحطاط الفكري والثقافي , فظهرت تنظيمات واحزاب آخر ما يمكن الاستدلال عليها من اسمها ودلالة الاسم , وعلى كل المستويات الفكرية وتلاوينها التنظيمية , فلا الفضيلة كان حاضرا في الحزب الذي جرى تفكيكه لأسباب فساد مالي ولا اليقظة استمر في يقظته بل غفى بعد شهرين من انطلاقته .
ووصل الفيروس الى الاحزاب ذات المرجعية الدينية , التي ظلّت على موقفها العدائي من الاحزاب القومية والوسطية واليسارية قبل ان تجرى المصالحة الشكلية بين الأحزاب الدينية ومختلف تلاوين الطيف السياسي الحزبي , الذي سرعان ما انهار في اول مفصل سياسي أو إجراء انتخابي , وكانت المصالحة بمجملها تحسين شروط الحصول على الرضا الامريكي بعد مشروع الدمقرطة في الشرق الاوسط الذي انتهى الى ربيع الخراب العربي .
فالدولة الاسلامية في العراق والشام نجحت في تقديم ابشع صورة عن مشروع الدولة الاسلامية رغم محاولات انتساب قادتها بالاسم الى الخلفاء الراشدين والصحابة الاجلاء , بل ونجحت في ان تكون ندبة شديدة السواد في جبهة اتباع الدين الحنيف , وقدمت اسوأ نموذج حكم عرفته البشرية حيث اعادت الرقيق والجواري والغاء الآخر وسحله وذبحه .
وتطورت النكبة الفكرية الى تنظيم اسمه بيت المقدس الذي يعمل القتل في جند مصر , وهو يقيم على حواف وفي اكناف بيت المقدس ويرى بأم عينه دون منظار كيف ان الاقصى يذبح كل ساعة وليس كل يوم , وكأن تحرير بيت المقدس يبدأ من سيناء وبذبح خير اجناد الأرض في مصر الكنانة التي وعدنا الله بأن ندخلها آمنين , وكأنهم لم يسمعوا بالآية الكريمة التي تتحدث عن مصر أو أنهم لا يعرفون أن الجيش المصري هو الدرع الأبرز للعرب .
نكبة بيت المقدس في كثرة المنادين باسمه والمطالبين بعودته الى الحضن العربي والإسلامي وقلة الفاعلين من أجل تحريره وتطهيره , فكما كل النكبات السابقة التي جاءت من اجل تحرير فلسطين , يعود الزمن الى الوراء وتنادي تنظيمات تخلو من دلالة الأسماء بتحرير الأقصى عبر تحويلات على طريق التحرير , وكأن طريق تحرير القدس وحده المليء بالتحويلات , فتارة يبدأ التحرير من طهران ثم من سيناء ومرة من سوريا ولبنان .
خلال عصور النكبة العربية تم تدمير التنمية والديمقراطية والحياة السياسية وتداول السلطة على طريق تحرير القدس , ونصبت الانظمة العربية آلاف المشانق وبنت آلاف السجون للراغبين بتحرير القدس وزرعت طريق التحرير بإلغام الرجعية والتخلف والقمع وكل ما يهدم البناء الذاتي والوطني والقومي للانسان العربي حتى بات فريسة لكل تغيير سواء أكان التغيير عدميا أو حقيقيا .
فانتماء شباب بعمر الورد الى تيارات السواد الإرهابي هو نتيجة لانسداد الافق وغياب التعليم والتربية والتنمية , وذبح جند مصر ولبنان هو ارتداد هذا الغياب على العقل الجديد الخالي من أي دسم بعد أن تم افراغه لصالح الانبهار بالغرب وتقليده وتكسير كل النماذج الوطنية والقومية وحشر الدِّين في معلبات الماضي دون تجديد أو تنوير أو تثوير، حتى وصلنا الى بيت مقدس بلا أقصى ودولة إسلامية بلا اسلام والحبل على الجرار .