عندما كنت اتابع مسلسل الحرب على داعش، وتفاصيل معارك الحروب الاهلية العربية الصغيرة والكبيرة، عبر الحزام الناري الممتد من طرابلس في ليبيا الى طرابلس في شمال لبنان، وما نتج عن هذه الحروب من فوضى وعنف واشتباك دائر دائم، وما اصاب امتنا وبلادنا العربية من دمار وخراب، ادركت حجم وكبر دور الولايات المتحدة والدول الغربية الاخرى في انتاج هذه الحروب واشعالها وتغذيتها بالسلاح والمال، كما ادركت الاهداف الكامنة وراء هذه الحملة غير المسبوقة والطافحة بالفوضى والعنف والارهاب والاقتتال الاهلي، التي انطلقت تحت عناوين وشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والاصلاح الشامل.
وامام هذا المشهد الملتهب تذكرت المسلسل الاميركي الطويل وعنوانه «كوانتوم ليب»، وهو المسلسل الذي كنا نتابع حلقاته في وقت مضى، وتدور احداثه وتفاصيله حول بطل اميركي يستخدم آلة الزمن للعودة الى الماضي، عبر وقائع تاريخية مهمة.
يبدو ان الولايات المتحدة التي تعاني من عقدة الحضارات القديمة قد اعادتنا الى الماضي كي نعلق في التاريخ. فهذه الحروب المتناثرة والتنظيمات السلفية التي اشعلت المنطقة وشغلت العالم هي في مجملها حروب طائفية وقبلية وعرقية آتية من الماضي، وكانت في بداياتها، وفي ظواهرها ترفع شعارات ومطالب سياسية واقتصادية واجتماعية اصلاحية، ولكنها انتهت لتاخذ شكل ومضمون الحروب الدينية المذهبية والعرقية والقبلية الغائرة في التاريخ.
وهذه الحروب الاهلية التي اشعلتها اصابع خارجية، لتحمل اجندات مشبوهة تجاوزت المصالح الوطنية للشعوب، والصراع الطبقي الاجتماعي، كما تجاهلت المصالح القومية العليا للامة، هي في مجملها تصب في طاحونة المصالح الخارجية وفي مقدمتها المصالح الاسرائيلية واليمين الاسرائيلي الذي يسعى الى اقامة دولته الدينية تحت عنوان « اسرائيل دولة يهودية «، وهو الشعار الذي طرحته حكومة اليمين الاسرائيلي بالتزامن مع ظهور النشاط العسكري والسياسي للتنظيمات الدينية، وبدء الحروب الاهلية في البلاد العربية الساعية الى تفكيك الدول واشاعة الفوضى واعادتنا الى عصر ما قبل قيام الدولة المدنية.
وهذا المشهد العربي الراهن المحزن والمقلق يذكرنا بالحرب الدينية التي عاشتها اوروبا في القرن السابع عشر، وهي الحرب المدمرة التي بدأت بين الكاثوليك والبروتستانت على قاعدة الخلافات المذهبية ولكنها انتهت بالقتال والصراع على النفوذ والسلطة، والتي فقدت فيها المانيا وحدها، على سبيل المثال، ثلث سكانها من الرجال، اضافة الى الكوارث الاقتصادية والاجتماعية التي نتجت عن هذه الحرب الكارثة.
والثابت في هذه المرحلة الراهنة، ان الامة العربية والدول الاسلامية ستدفع فاتورة هذه الحروب العبثية من حاضرها ومستقبلها. فالنار المشتعلة في ليبيا التي تفككت، تهدد الامن الوطني لتونس والجزائر ومصروالسودان، وعلى الاقل، ستشغل الحرب الليبية الاهلية القبلية، هذه الاقطار العربية المحيطة، او توقف تقدمها في صياغة مستقبلها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. كذلك نرى ان الحرب الاهلية في اليمن، والتي تشابكت فيها المصالح الداخلية والخارجية تهدد وحدة ارضها وشعبها عبر تفكيك الدولة والنظام، الى عدة دويلات.
هذا الواقع، لا يبعدنا عن الاقتتال في العراق وسوريا تحت عناوين متعددة، وهي الحرب الملتهبة وان اخذت شكل الصراع الطائفي فهي ليست بعيدة في تفاصيلها ونتائجها عن المصالح الخارجية. واعتقد ان الجارة تركيا غير بعيدة عن التطورات العسكرية المصيرية في الدولتين العربيتين الجارتين، حيث انعشت الاحداث ذاكرة السلطان الجديد في تركيا (اردوغان) الذي تدغدغ احلامه امجاد الامبراطورية العثمانية التي سادت ثم دالت، وهذه الحروب، في اثارها السلبية، اعتقد انها لن تكون بعيدة عن الوضع التركي الداخلي في اثارها السلبية.
ما اريد ان اقوله هنا، ان هذه الحروب التي بدأت بمطالب سياسية واجتماعية اصلاحية، والتي تحولت بفضل الرياح الغربية الى حروب دينية وعرقية وقبلية، هي بالتالي، وفي مضمونها، وفي طياتها، تحمل اهدافا سياسية واقتصادية، وتخدم المصالح الاجنبية، وتهدم كل ما بناه العرب.