من حيث المبدأ، الفعل الذي ارتكبته من تعرف نفسها بأنها فنانة سياسية، مثير للتقزز ومؤذ إلى درجة كبيرة، حتى ولو كان المقصود رمزا استفزازيا كعلم الكيان الصهيوني، الفعل منسوب للفنانة الصهيونية «نتالي كوهن فكسبرغ» وهي من سكان مدينة تل ابيب وتقول، إنها راديكالية، وهو عبارة عن فيلم قصير حمل شعار»الغائط بدل الدم» على شبكة الإنترنت، ويظهر «الفنانة» وهي تتغوط على علم الدولة الصهيونية، مع خلفية موسيقية عبارة عن نشيد العدو «الوطني» المسمى «هتكفا» ويعني الأمل!
نتالي سبق ونشرت افلاما مشابهة تغوطت فيها على أعلام دول عربية واوروبية، ومنها العلم الفلسطيني والكندي والسويدي واللبناني والسويسري وبضع دول أخرى، لكن تلك الأفلام لم تلفت نظر أحد في إسرائيل، لكن حين تعلق الأمر بالعلم الصهيوني تحركت الشرطة واعتقلت «الفاعلة» وهو أمر طبيعي في دولة عنصرية يخضع فيها القضاء لشعور يهودي عميق بالتميز عن بقية عباد الله، وهذه ليست مشكلتنا الوحيدة مع الصهاينة، لكن ما لفت نظري أن هذه الحادثة استفزت صحيفة يومية وكبيرة في الكيان الصهيوني كصحيفة «هآرتس» وجعلتها موضوعا لافتتاحيتها الرئيسة، وهنا مربط الفرس!
افتتاحية الصحيفة لم تتوقف أمام مضمون الفيلم، أو موقف «الفنانة» بل توقفت أمام من لفت نظر الشرطة لهذه الفعلة، وهو ناشط يميني متطرف/ حسب وصف الصحيفة يدعى يوآف الياسي («الظل»)، كان قبل بضعة اشهر رد على عرض آخر للفنانة بقوله: «راق لي أن أرجمها بالحجارة او اعدمها في ميدان المدينة، ولكني لن اقول هذا. ما سأقوله هو أن أسحب لها حقها في المواطنة فورا». وتعقب الصحيفة قائلة: .. وسارت الشرطة الى ارضاء «الظل» ورفاقه في اليمين، اعتراض الصحيفة، التي كرست افتتاحية لهذا الأمر، هو مدى تغلغل اليمين في إسرائيل، وهي ما فتئت في افتتاحياتها المتكررة ان تدق ناقوس الخطر، وتحذر من انزلاق إسرائيل نحو التطرف أكثر فأكثر، طبعا هي ليست قلقة على أثر هذا التطرف على سلوك العدو العدواني كمحتل، بل تعبر عن قلقها العميق من اثر هذا السلوك على العلمانيين، واللادينيين من اليهود، لهذا تعبر عن سخطها من استجابة الشرطة لتوجهات اليمين، قائلة: ان مهمة الشرطة مكافحة الجريمة والحفاظ على الامن الداخلي، لا العمل كذراع كم أفواه تابع لليمين المتطرف!
«هيلا حمو» المتحدثة باسم لواء تل أبيب في الشرطة الإسرائيلية دافعت عن اعتقال «الفنانة» ومن ثم الافراج عنها ووضعها قيد الإقامة الجبرية وحرمانها من الدخول إلى شبكة انترنت مدة شهر، قائلة، «إنه عمل وقح مس في رموز الدولة ومشاعر الجمهور ورغم ان شرطة إسرائيل تحترم حرية التعبير لكن هذه الحرية ليست قيمة مطلقة ولا يمكن لها ان تمس بقيم الآخرين»!
و»الآخرين» هنا ليسوا «الأغيار» أو كل من هو غير يهودي، فالآخرون هم دائما اليهود، أما مشاعر «الأغيار» فلا قيمة لها، حتى ولو تغوطت «مواطنة» يهودية على أعلامهم، وعلى كل حال هذا ليس مهما، المهم هنا، أن إسرائيل تنزلق فعلا إلى حالة متسارعة من التطرف واليمينية، ولهذا علينا أن نصدق وزير إسكانهم أوري أرئيل حين يهدد الأردن، ويعد ببناء الهيكل مكان المسجد الأقصى، فهو يستند إلى قاعدة سكانية ضخمة، وقوى سياسية مؤثرة في الحكومة والكنيست، والأهم من ذلك في الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية المختلفة، التي باتت أو كادت تحت هيمنة وسيطرة اليمين المتدين، الذي يستعجل إشعال «الحرب الدينية» على الأغيار، بمن فيهم، الشعوب والأنظمة التي أقامت إسرائيل وحمتها!
ما يفوح من فيلم نتالي البشع، اكثر من رائحة فضلاتها النتنة، إنها رائحة اليمين اليهودي المتدين!