تثبت احداث الاقصى والقدس، ان الاحتلال الاسرائيلي لا يستهدف استعباد الارض والانسان الفلسطيني فحسب، وانما محو ذاكرته التاريخية ومصادرة ارثه الحضاري في المعابد، وكنوز المدن القديمة واسوارها وشوارعها، وحياة الناس من حولها.. وادعاء كل ذلك بفرض تسميات مزيفة كجبل الهيكل، ومدينة داود، وحائط المبكى.. وهو تحرش بالتاريخ وحضارة الشعوب من بناة القدس الحثيين، الى بناة الهيكل الرومان الذين قصدوا ان يكون معبدا لكل ديانات الاراميين والكنعانيين واليهود، والى امراء الحرب المسلمين الذين بنوا اسوار القدس وصانوا المسجد الاقصى وقبة الصخرة، واوقفوا املاكهم لاعمار المدينة المقدسة، الى الحسين بن علي صانع اول اعمار لأولى القبلتين وثالث الحرمين من ذهبه، واقتدى به عبدالله الشهيد، والسبط الحسين.. حتى عبدالله الثاني.
إن اتصال نتنياهو هاتفيا بجلالة الملك والقول بالتزامه بالمعاهدة، وبالولاية الهاشمية على مقدسات القدس لا تجعلنا نغير في خطتنا للدفاع عن الأقصى.. فنتنياهو معروف انه يكذب كما يتنفس, وأن العابه في القدس لا تتجاوز المناورات الحزبية التي برع فيها. فهو يشجع المستوطنين لانهم رصيده الانتخابي, والمستوطنون يعرفون ذلك فيبتزونه في القدس, كما ابتزوه في الخليل, والعناصر المعتدلة الاسرائيلية لم تجد انها معنية بالوقوف في وجه نتنياهو لان المعركة حول القدس هي معركة السلطة الوطنية ومعركة الاردن وحدهما.
اننا ندعو اصحاب الصوت المرتفع في الداخل الى الالتزام بموقف جلالة الملك, أي دون المزايدة عليه, ودون تبخيس منجزاته, واستمرار الصوت العالي لن يجعل القيادة تضع قرارها في الشارع. وقد بلونا الخسران في كل مرة يتغلب فيها صوت الشارع على صوت العقل في كل حروبنا مع العدوان الصهيوني عام 1948, وعام 1967, وعام 1970.
ان تحملنا عبء القدس هو خيارنا القومي لاننا نعرف أن الاصوات العالية في الوطن العربي لم تفعل شيئاً.. لم تبن حجراً, ولم تحفظ البناء التاريخي بالاعمار المستمر. ولم تعيد منبر صلاح الدين بعد احتراقه والذين يخشون هدم الاقصى وقبة الصخرة على يد المتطرفين الصهاينة، عليهم الاعتراف بان هذا الهدم كان سيحصل ليس على يد اليهود، وإنما على يد الذين تهربوا من مسؤوليات اعماره، والاستمرار في الصياح، لبيك يا اقصى، وكأن الاقصى يصمد بهذا النمط من الاعمار.
نقول لابناء بلدنا، دورنا هو التماسك الداخلي، والوثوق بعقل وحكمة وشجاعة القيادة، فالمعركة طويلة، وتحتاج الى نفس طويل.