إحدى أهم حقائق المرحلة أن كيان الإحتلال هو الطرف الأكثر إستفادة من تشرذم الحالة العربية وإنكفاء الكل على قضاياها الداخلية وحالات الفوضى والتفتيت الداخلي، ولعل قيادة كيان الإحتلال ترى في هذه المرحلة فرصة لتمرير بعض ما تريد في ملف القدس وتحديداً ما يخص المقدسات الإسلامية.
والحقيقة الثانية أن الأردن وحده من الدول يخوض معركة القدس فلا صوتاً حقيقياً ولا إجراء من محيطنا ولا تركيا ولا حتى جبهة غزة أو الضفة يتم فتحها بل هم الناس هناك يحاولون مقاومة المحتل.
ولعل كيان الإحتلال رأى في صمود الحكومة الأردنية أمام المطالبات النيابية والشعبية بطرد السفير الصهيوني وإلغاء المعاهدة خلال الفترات السابقة، رأي فيه نوعاً من التمسك الأردني بالمعاهدة واستحقاقاتها، وكأنها حالة مقدسة سياسياً أو كأن الأردن لا يمكنه إتخاذ خطوات مهما كانت على هذا الصعيد.
وربما خطر على بال قيادة كيان الإحتلال أن الإنشغال الأردني بحرائق وأزمات المنطقة وبخاصة المعركة ضد التطرف والإرهاب، تجعل الدولة الأردنية تتجنب خوض أي معركة سياسية مع أي طرف وتحديداً ملف المعاهدة والعلاقة الدبلوماسية مع كيان الإحتلال.
وقد تعتقد حكومة كيان الإحتلال أن مجمل الظروف تجعل القيادة الأردنية عاجزة عن إتخاذ أي خطوة مهما كان الاستفزاز الإسرائيلي في ملف القدس والأقصى، ولهذا توالى التصعيد الصهيوني رغم المحاولات الدبلوماسية، وقد يكون كيان الإحتلال على قناعة بأن الأردن سيستمر في مواجهة المطالبات الداخلية وتحمل أعباء الإجرام الصهيوني والإكتفاء بالمواقف السياسية المعتادة.
إذا كان هذا هو التفكير الإسرائيلي، وإذا كان ما يجري يحمل إضافة إلى العدوان اختباراً لجدية وحزم القيادة الأردنية فربما تصل إسرائيل إلى مرحلة ستجد نفسها أنها مخطئة، وأن القيادة الأردنية لا تتعامل مع المعاهدة واستحقاقاتها على أنها حالة مقدسة، ومهما بلغ إيمان الأردن بعملية السلام فإن هذا لا يعني أن تدفع الدولة الأثمان المتتالية ثمناً لسلام من طرف واحد بينما الطرف الآخر يذهب بعيداً في عدوانه واستفزازه بل ونقضه لبنود المعاهدة وبخاصة ما يتعلق بمقدسات القدس.
كل أردني يعرف قيادته جيداً وعلى قناعة أكيدة بأن أي إختيار للحكمة والحزم والجدية ستعبره قيادة هذا البلد بنجاح وثقة، وأن كل مراهنة من أي طرف ستكون خاسرة، فالدولة أهم من أي علاقة مع أي دولة، والمعاهدة ليست كتاباً مقدساً بل عمل سياسي ووسيلة لخدمة الدولة.