مرت ذكرى تفجيرات عمان والناس لم ينسوا مشهدها بعد، والتي كان مقصودا بها توجيه رسالة واضحة من القوى المتطرفة للأردن بأنهم قادرون على الوصول إليه ومسه. لكن تلك الأحداث على الرغم من وقوعها، وتكرار المحاولات لاحقاً في العقبة بضربها بصورايخ من جهة سيناء، مكنت الأردن من تعزيز منظومته الدفاعية الاستباقية والعمل الاستخباراتي لمحاربة الإرهاب.
كان حدث تفجيرات عمان كافياً ليوحد الناس ضد الإرهاب، وضد التطرف، وكان للأردن سباقاً في التحذير منه ومن خطره، ومن تطرف المنطقة واختطافها، وشيوع الفوضى فيها، ثم كانت تصريحات الملك عبد الله الثاني في التحذير من الهلال الشيعي الذي يقود المنطقة للفوضى والمزيد من التطرف. كان يومها قولاً فصلاً في الرؤية التي رأت أن العراق وسوريا يسيران إلى فلك إيراني لا محالة من تشكله، إلا أن التحذير لم يُنتبه إليه كثيراً وثارت الأقوال حوله، وها هو اليوم يتحقق وخطر الهلال يكتمل في البلاد العربية وعلى رأسها دول الخليج.
التطرف حين يقع يواجهه تطرف آخر، فكما أن الشيعة خلقوا حالة من التطرف والعنصرية البغيضة ضد السنة، فقط ظهرت قوى سنية لمواجهة تطرف الشيعة والحيلولة دونه، وهكذا دخلت المنطقة الصراع، وكان العراق عنواناً له والإسلام للأسف بوابته، وزاد الأمر مع الربيع العربي ورأينا في البحرين، واليوم في اليمن كيف يصبح الحديث عن الإصلاح والتغيير الديمقراطي موازياً للتحذير من الإنزلاق للفوضى، واليمن خير مثال لذلك، وللأسف يراد لدول مثل السعودية أن تنزلق في مناطقها الشرقية لذات المشهد، ومصر كانت متجهة لنفس المسار أما ليبيا فهي عنوان لصراع التطرفات، أما سوريا فهي كف يلعب فيه كل الشياطين المستوردين.
لكن هذا الكف الذي بات يجذب الشباب ويرحلون إليه من دول عدة، ليس بعيدا عنا، وكذلك العراق، فالشباب اليوم يسافرون من الأردن ويجندون للذهاب للقتال في العراق وسوريا إلى جانب جند ما يسمى الدولة الإسلامية، ولا نقول ذلك من باب الربط المباشر مع الإرهاب والشباب الأردني، بل من باب التحذير المستمر بأن ثمة قوى متطرفة تسرق الجيل الشاب وتغرر به للقتال باسم الإسلام.
إن الحوادث كثيرة والأخبار التي تذكر سفر شباب أردني لجبهات القتال كثيرة، لكن الثابت أن الشباب ليسوا من بيئات فقيرة ولا يشكون العوز بل منهم أبناء عائلات ثرية واصدقاء وزملاء نعرفهم، وليس لهم الآن إلا انتظار عودتهم أو البقاء على أمل سماع خبر يحدد مصيرهم.
للأسف يظل عدم الوضوح في تركيبة المشهد واكتمال التجنيد والسفر سيد الموقف في هذا الأمر، فأحد الأصدقاء بعد أن تخرج نجله من الجامعة سافر إلى تركيا فجأة، ثم عبر الفيسبوك أرسل رسالة يقول بها أنه متجه لمعسكر الدولة الإسلامية، وأن أبا طلحة الأردني جنده وهو في الجامعة، وهكذا بدأت فصول الحكاية التي لا تنتهي ويطول شرحها. ونعرف جيداً أسبابها.!!