من سيئ إلى أسوأ، وعلى مختلف الصعد، تتغير أوضاع الفلسطينيين، سواء في قطاع غزة، الذي اعتبره البعض محرراً من قوات الاحتلال، ومستوطناته، أم في الضفة الغربية بما في ذلك القدس، التي تتعرض لموجات متلاحقة من الاستيطان ومصادرة الأرض، والتهويد، والتنكيل.
تغنّى الكثيرون بانتصار المقاومة في الجولة الأخيرة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأقلهم تفاؤلاً، أشاد بالصمود الرائع للمقاومة والشعب، وبالوحدة الوطنية التي ظهرت على أكثر من صعيد، لكن الاستثمار السياسي كان صفراً بامتياز، وحال الناس تدهورت على نحو غير مسبوق من الدمار، إلى التشرد إلى الفقر والبطالة. كان يمكن للناس أن يتعلقوا بأهداب مصالحة متعثرة أملاً في تغيير الواقع، لكن مسيرة المصالحة، وما بلغته العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، أعادت الناس إلى البكاء على أطلالها، ومع تدهورها، يخشى الناس أن يذرفوا الدموع على أطلال بيوتهم ومصالحهم المدمرة، التي تنتظر عملية إعادة إعمار متعثرة هي الأخرى.
الحصار على قطاع غزة، بعد إغلاق معبر رفح بالكامل لأكثر من أسبوعين بدون أفق، بسبب الأوضاع الأمنية في شبه جزيرة سيناء، هذا الحصار ينهش ما تبقى من آمال لدى المواطنين، وقد انتقل هذا الحصار بسبب آليات إعادة الإعمار، إلى مرتبة الشرعية الدولية، بعد أن كان مسؤولية إسرائيل وحدها ومن يناصرها.
الضفة الغربية وفي قلبها القدس، تتعرض لأبشع وأخطر الهجمات على ما تبقى من حقوق للفلسطينيين، فيما يتصاعد التطرف الإسرائيلي، نحو مصادرة كل الحقوق الفلسطينية، واستكمال خطة الانطواء، هذا في أحسن الأحوال. إزاء أوضاع كهذه، يشير منطق الأمور، إلى أن على الفلسطينيين أن يبحثوا عن وحدتهم، دفاعاً عن حقوقهم، بل دفاع عن وجودهم، غير أن أوضاع الفصائل، ومستويات القرار السياسي، تخرج عن كل منطق، وهي التي تتحمل المسؤولية التاريخية كاملة عما يتكبده الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية.
أي عقل يمكن أن يقبل، إقدام جماعة معروفة ومعرفة أم غير معرفة على وضع متفجرات على أبواب منازل وممتلكات وسيارات، قيادات وطنية من فتح، واستهداف المنصة المعدة لإحياء الذكرى العاشرة لرحيل قائد الشعب الفلسطيني ياسر عرفات؟
فجر الجمعة الماضية، السابع من الشهر الجاري فوجئ الناس بأصوات انفجارات تشبه الانفجارات التي يحدثها القصف الإسرائيلي، لكن الفاجعة وقعت حين تناقلت الأخبار أن هذه الانفجارات لم تكن سوى من فعل أياد فلسطينية ضد قيادات فتحاوية. كان الناس في قطاع غزة نياماً، فيما كان أهل القدس، والضفة والداخل الفلسطيني يشدون الرحال نحو القدس، للصلاة في المسجد الأقصى، ولمواجهة هجمات المستوطنين والمتطرفين بحراسة الجيش والشرطة الإسرائيلية. سالت الدماء في القدس يومها، وسالت الدموع في قطاع غزة، لهول ما تسمع وترى.
إذا كان من الطبيعي أن تسيل دماء الفلسطينيين على يد المحتلين وهم يدافعون عن أنفسهم وبيوتهم وأعراضهم ومنازلهم وممتلكاتهم وحقوقهم، فإن من غير المنطقي أبداً، أن تسيل الدموع، لأسباب ودوافع فلسطينية لا تجر على الفلسطينيين سوى المزيد من الخراب والدمار واليأس.
ماذا يريد هؤلاء الذين ارتكبوا، تلك الجريمة بحق كل الناس، كل الشعب، كل القضية، وليس فقط ضد قيادات فتحاوية وطنية، وهل حققوا ما يريدون؟ استناداً إلى كل المعايير، وإلى أي معيار، فإن إسرائيل هي فقط، والجهة الوحيدة المستفيدة من هذه الجريمة التي تعيد الأوضاع إلى مرحلة الصراع، والخلاف وتعمق أزمة الثقة، وأولى نتائجها تفجير المصالحة، على علاتها، وربما تفجير كل عملية وآليات إعادة إعمار قطاع غزة. لا شك أن إسرائيل تطرب لسماع أخبار كهذه، تدخل الطمأنينة إلى قلوب الإسرائيليين الذين يعملون ليل نهار من أجل إفشال المصالحة، وإبقاء حالة الانقسام، وزرع الفتنة بين صفوف الفلسطينيين. وستطرب قوى أخرى، تناصب حركة حماس من العداء، التي بحكم مسؤوليتها عن الأمن في قطاع غزة، ستكون في موقع الاتهام، على خلفية أن من يفعل ذلك إزاء شعبه، لا يتورع عن فعلها إزاء الآخرين.
النتيجة الأبرز والملموسة التي نجمت عن تلك التفجيرات، كانت إلغاء النشاط الشعبي الذي كان سيتم بإشراف ومشاركة كل القوى الوطنية، بمناسبة رحيل القائد الشهيد ياسر عرفات.
تبحث في كل الزوايا والاحتمالات وتتقمص حالة تفهم الدوافع والأسباب والأهداف من وراء ما جرى فجر الجمعة الماضية من تفجيرات، محاولاً تلمس أي نتيجة إيجابية لكن هذه الإمكانية مغلقة تماماً، فالنتائج كارثية على مختلف الصعد. القضية حتى الآن مسجلة على مجهول، حيث لم تعلن أي جهة أو جماعة عن مسؤوليتها إزاء ما وقع، وحركة فتح وجهت اتهاماً صريحاً لحركة حماس، التي نفت ذلك، وأعلنت إدانتها فيما أعلنت وزارة الداخلية في غزة عن تشكيل لجنة تحقيق.
في كل الحالات، فإن منطق اتهام حركة حماس، يقوم على اعتبار أنها المسؤولة فعلياً عن الأمن في قطاع غزة، فإن لم يكن بعض أعضائها أو المحسوبين عليها هم المسؤولون، فإنها في الواقع تتحمل مسؤولية غير مباشرة.
حركة حماس معنية إذن بتبرئة مسؤوليتها وذمتها إزاء هذا الحدث الذي أدانته واستنكرته بعبارات واضحة، ونظن أنها تملك كل الإمكانيات للكشف عن الفاعلين، وبأقصى سرعة ممكنة. ما لم يحدث ذلك، وفي كل يوم تتأخر فيه عملية التحقيق والكشف عن الفاعلين، فإن الأوضاع تزداد سوءاً وتدهوراً، حتى لا يعود بالإمكان، إصلاحها. ومرة أخرى نقول لكل الفصائل والفصائليين، ولكل القيادات السياسية التي لها صلة بالقرار، أن ترحموا هذا الشعب، الذي يدفع ثمن خلافاتكم، وفئويتكم وتجاهلكم لمصالح وحقوق هذا الشعب الباسل.