وسط هذا الجحيم من اللهب ، وفي خضم تصاعد الاقتتال الاهلي على قاعدة طائفية وعرقية وقبلية في البلاد العربية ، ووسط هذا المحيط المتلاطم بالعنف والدم والفوضى ، يحق لنا ان نسأل عن اسباب ومسسبب هذا الزلزال العنيف الذي ضرب المنطقة ، ولمصلحة من ولماذا ؟
الحقيقة ان وجود اسرائيل في المنطقة ككيان استعماري استيطاني قائم على دعم دول استعمارية كبرى ، وفي غياب العدالة والشرعية الدولية ، ورفض هذا الكيان الحل العادل لقضية الشعب الفلسطيني ، واصراره على عدم الاندماج في المنطقة ضمن خطة سلام حقيقي ، والقبول بالعيش داخل اسوار حديدية ضمن نظرية الغيتو، هو جوهر الصراع وفيه تكمن جذور المشكلة المزمنة ، التي قادت ولا تزال تقود المنطقة الى حافة الهاوية .
لذلك لم ولن نتفاءل بالحرب على داعش ، ولا نرى فيها حلا حقيقيا واقعيا لقضايا المنطقة الحقيقية ، بل نرى فيها امتدادا لعملية غزو العراق واحتلاله ، وهو ما يزيد الاوضاع تعقيدا . فهذا التوافق الدولي لماذا غاب عن مركزبؤرة التوتر في المنطقة وهي ممثلة بالاحزاب اليمينية المتشددة المتطرفة الحاكمة في اسرائيل ، والتي تقوم بالاعتداء على المقدسات الاسلامية والمسيحية يوميا ، وهي في تكوينها الديني وتعصبها اسوأ واخطر من داعش ، ومشروعها الديني سبق مشروع داعش بعقود طويلة ، وهي التي تدعو وتعمل من اجل اقامة «اسرائيل دولة دينية « ، في حين زعم رواد الحركة الصهيونية بانهم هاجروا الى فلسطين وقاتلوا من اجل اقامة دولة علمانية ديمقراطية اشتراكية ، كما ورد في مذكرات غولدا مائير ، ولكنه ثبت العكس تماما فقد اقاموا دولة استعمارية استيطانية توسعية وشكلوا مجتمع حرب هو اقرب الى النموذج الاسبارطي .
واللافت ان الدولة الراعي والقائد للتحالف في الحرب على تنظيم داعش غير مكترثة بالتطورات المتصاعدة في القدس وكل فلسطين التاريخية والتي قد تتوسع الى انتفاضة كبرى غير مسبوقة . وهذا الواقع يؤكد ان واشنطن نجحت في لفت الانظار والاهتمام العربي والغربي الى الحرب على داعش ، في حين يعتقد كثيرون ان تنظيم داعش خلق بقرار اميركي او بدعم من دول حليفة من اجل ديمومة اشعال حدود الدم في العراق على قاعدة طائفية وعرقية ، وهو الصراع الذي يحافظ على وحدة العراق شكليا ، في حين يتم وتخريب وتقسيم نسيج المجتمع العراقي وتدمير مكوناته .
وهنا يجب ان لا ننسى انه باحتلال العراق بدأت عملية خلق الشرق الاوسط الجديد التي اعلنت عنها كونداليسا رايس في ذلك الوقت ، وكررتها خلال العدوان الاسرائيلي الواسع على لبنان تحت عنوان الحرب على حزب الله وضرب تيار المقاومة في لبنان في العام 2006، ومنذ ذلك التاريخ تم احياء وتفعيل الانقسام داخل المجتمع اللبناني على القاعدة الطائفية المعروفة ، والتي ما زال لبنان يعاني منها حتى اليوم .
واذا كان العالم مهتما بالحرب الطويلة على داعش ، ويساند التحالف في هذه الحرب ، يجب ان يعرف ان الحسم العسكري وحده لا يكفي ، لأن هناك حاضنة واسعة لداعش بسبب غياب العدالة وعدم تحقيق مشاركة مكونات المجتمع العراقي في السلطة ، فالانتقام ورفض الاخر والقمع الانتقائي ، قاد الى حقد مقابل وكون تربة خصبة لولادة داعش وكل التنظيمات المذهبية المشابهة .