صباح يوم الجمعة الماضي كان صباحا مختلفا وغير عادي بالنسبة لاهالي القدس العربية المحتلة، تلك المدينة التي وهبها الله هذا الحنين الروحي والسلام والتاريخ المقدس. فعندما انطلق صوت المؤذن في المسجد الاقصى يدعو الناس للصلاة، جاء المصلون من كل صوب، عبر بوابات القدس المشرعة، حتى بلغ عددهم اكثر من اربعين الف فلسطيني من القدس وحولها، ومن كل الاعمار، وهو امر غير مسبوق.
ما حدث يوم الجمعة الماضي أكد الالتزام الجبري لرئيس الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتطرفة بالتهدئة ووقف الاعتداء على الاقصى، وكافة الاماكن المقدسة، وعدم التعرض للمصلين او استفزازهم والسماح للجميع بالوصول الى المسجد الاسير المحزون بسهولة لاداء الصلاة، وهو القرار الذي التزم نتنياهو بتنفيذه نتيجة الضغوط التي واجهها في لقاء عمان، ونتيجة للدبلوماسية الاردنية الناشطة، وجهود الملك عبد الله الثاني، قبل كل شيء.
فقد تحرك جلالته في اللحظة التاريخية المعينة والمدروسة، حيث اثمرت هذه الجهود، حضور وزير الخارجية الاميركية الى عمان لتحقيق هذا الهدف، باجبار رئيس الحكومة الاسرائيلية على الاستجابة للمطالب الاردنية، ووقف تدهو الاوضاع في المدينة المقدسة، وكل الاجراءات الاسرائيلية المخالفة للقوانين الدولية.
التحرك الاردني انطلق من قاعدة المصلحة الاردنية العليا، ولأن المقدسات برعاية هاشمية، اضافة الى التزام الاردن بدعم الشعب الفلسطيني للبقاء في دياره، وتقديم كل العون من اجل اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على قاعدة حل الدولتين، وبالتالي تحقيق السلام الحقيقي، الذي يضمن الانسحاب الكامل من الاراضي المحتلة وفي مقدمتها القدس العربية، وقبل كل شيء حق العودة، ودون ذلك لن تنعم المنطقة بالامن والاستقرار، لأن القضية الفلسطينية هي لب وجوهر الصراع العربي الاسرائيلي.
اما الاستجابة الاميركية للقيام بهذا الدور، فقد تحققت بفضل الدبلوماسية الاردنية الفاعلة، والتي جاءت في الوقت المناسب. كذلك ادراك واشنطن ان السلوك العدواني الاستفزازي المتصاعد الذي تمارسه اسرائيل في القدس، وكل الاراضي المحتلة، في هذه المرحلة بالذات، يحرجها ويضر بالمصالح الاميركية ويضعف التحالف الذي شكلته الادارة الاميركية في حربها على تنظيم داعش.
والتصعيد الاسرائيلي في القدس، والاعتداء على المقدسات، واستمرار النشاط الاستيطاني، سببه خضوع نتنياهو ورضوخه لعمليات الابتزاز التي يمارسها قادة الاحزاب الدينية المتطرفة في اسرائيل، حيث اصبح رئيس وزراء اسرائيل رهينة بيد المتشددين والمستوطنين، رغم انتمائه الى اليمين المتشدد بفكره ومعتقداته وادائه.
كل ذلك يحدث في اسرائيل الان، نتيجة تسلل المتطرفين من الاحزاب اليمينية الى المواقع والمناصب العليا والمتقدمة في الجيش والمؤسسات الرسمية في اسرائيل، وهم من المحرضين على ممارسة القمع والعنف والارهاب ضد الشعب الفلسطيني. وما حدث، ولا يزال، هو على حساب الاحزاب العلمانية التي بدأت تتلاشى في الكيان الصهيوني الديني، لأن الجمهور الاسرائيلي بغالبيته يتحرك نحو اليمين المتطرف.
واضافة الى الدور الاردني الفاعل المؤثر، والضغوط الاميركية على نتنياهو من اجل وقف الاعتداء على المقدسات، والالتزام بالتهدئة في القدس، هناك عامل داخلي اسرائيلي لا يمكن تجاهله لاهميته، ولأنه يمس الامن في اسرائيل والاراضي المحتلة ويقود الى صدام اوسع. فقد حذرت وسائل الاعلام الاسرائيلية حكومة نتنياهو من اندلاع انتفاضة جديدة متقدمة على الانتفاضات السابقة، لأنها ستشتعل في فلسطين التاريخية، اي انها لن تتوقف عند حدود الضفة وغزة، بل تتعدى لتصل الى الجليل والنقب. وهذا يعني ان اسرائيل ستدخل في ازمة كبرى، لا احد يعرف نتائجها وتداعياتها في مرحلة خطيرة ومنطقة ملتهبة.