اليوم.. هو موعد الاستحقاق الدستوري التونسي الاخير، حيث أكمل التوانسة رحلتهم نحو الجمهورية «الثالثة» (بعد شطب مرحلة المنصف المرزوقي التي وصفت بالمؤقتة وكانت نسخة رديئة من ثورة شعبية عظيمة).. بعد ان انتخبوا مجلسهم النيابي واطلقوا مشوار قطيعة مع صيغة «الترويكا» التي صممتها لنفسها حركة النهضة، وجاءت بالظاهرة الصوتية المسماة المنصف المرزوقي على رأس جمهورية تونس الجديدة التي فجرت ثورتها الملهمة ضد نظام الفساد والاستبداد، لتُجْلِسه في قصر قرطاج مجرد دمية لا تحكم، ثم وضعت رئيس حزب كرتوني اسمه «التكتل» على رأس المجلس التأسيسي المؤقت الذي تمتلك فيه الاغلبية المطلقة كي تروج لخطابها وتتحكم في مفاصل الدولة، وخصوصا اجهزتها الأمنية وقيادتها العسكرية، لتنطلق الى الفضاءات الخارجية تعقد الصفقات مع عواصم الغرب الامبريالي وتتحالف مع «النسخ» الاخرى من الاخوان المسلمين، سواء تلك التي ترطن بالتركية أم الجماعة الأم التي كانت قد وصلت هي الاخرى للتو، كي تُمسك بالدولة العربية الأهم «مصر» وترسم معادلات وخرائط «سياسية» جديدة تنطلق من رؤية وخطاب «الاخوان» الذين لا يعترفون بالعروبة بقدر ما يحلمون بأستاذية العالم «والوحدة» الاسلامية.
التوانسة على موعد اليوم مع صناديق الاقتراع، لاختيار رئيس جديد (دائم.. بمعنى لفترة رئاسية محددة المدة) لبلادهم من بين 22 مرشحاً لهذا المنصب الذي لم يعرف المنافسة الحقيقية ذات يوم، منذ ان جاء «المجاهد الاكبر» الحبيب بورقيبة اليه وتواصل بقاؤه في القصر حتى بعد ان عجز جسدياً وتحكمت «الماجدة وسيلة» بالقصر وقراراته، رغم انه انتخب رئيساً لمدى الحياة، الى ان قرر الجنرال المُعّد مسبقاً في دوائر الاستخبارات الفرنسية والاميركية زين العابدين بن علي، القفز على السلطة في «يوم التحول» 7/ 11/ 1987 وإجبار «المجاهد الاكبر» على الذهاب الى بيته.
من بين المرشحين هؤلاء يبرز «أربعة» هم الاقوى حظوظاً على ما نقلته وسائل الاعلام التونسية التي استندت الى استطلاعات رأي، قيل ان مراكز أبحاث أجرتها لصالح احزاب «كبرى» وهم على الترتيب الباجي قائد السبسي زعيم حزب نداء تونس الذي حصد 86 مقعداً في الانتخابات الاخيرة، فيما لم تحصل «النهضة» سوى 69، يليه الرئيس المؤقت المنصرف المنصف المرزوقي ثم اليساري حمة الهمامي من الجبهة الشعبية وهي تحالف احزاب يسارية وقومية (حصلت على 15 مقعداً)، أما المرتبة الرابعة فكانت لرجل الاعمال سليم الرياحي الذي شكل مفاجأة الانتخابات الحقيقية عندما حصل حزبه «الاتحاد الوطني الحر» على 16 مقعداً.
ليس ثمة مفاجأة في النتائج التي ستفسر عنها انتخابات اليوم، بعد ان استقرت الآراء على ان المنافسة «الحقيقية» هي بين السبسي والمرزوقي، اللذين قد يضطران لخوض جولة «إعادة» ثانية، اذا اخفق السبسي في الحصول على 50%+ صوتا واحدا تؤهله للفوز من الجولة الاولى والدخول الى قصر قرطاج، لكن–وهذا هو الأهم–فإن الانظار متجهة الى حركة النهضة، حيث اعلنت الحركة–إقرأ زعمت–انها وبعد ان لم تُرشّح احداً من اعضائها للمنافسة على منصب الرئاسة، (للتذكير جاء قرارها ذلك بعد ان هُزمت في الانتخابات البرلمانية وحلّت في المرتبة الثانية) وبالتالي قررت ترك الحرية لمحازبيها وانصارها لاختيار اي مرشح «يريدون» التصويت له..
كثيرون شككوا في صدقية هذا الاعلان، لأسباب سياسية واخرى ايديولوجية وثالثة لمعرفتهم بعقلية المراوغة والمناورة التي تحكم مسارات «الاخوان المسلمين» في اماكن تواجدهم، وبخاصة مع حلفائهم أو مَنْ يدعّون قُربهم منهم، في النقابات المهنية والائتلافات السياسية التي تأخذ طابعاً مؤقتاً وعابراً في ادبياتهم واهدافهم بعيدة المدى.
واذ تردد في اوساط تونسية عديدة، نبأ صدور منشور او «تعميم سرّي.. خاص بالأعضاء المنخرطين فقط» يدعو للتصويت للمرزوزقي على ما شاهدناه وقرأناه في الشبكة العنكبوتية، ما زاد من الشكوك في صدقية قرار النهضة ترك الحرية لأعضائها في انتخابات الرئاسة، فان ردود الفعل التي ستلي معرفة النتائج وخصوصاً الاصوات التي سيحصل عليها المرزوقي، هي التي ستحكم مسار المرحلة السياسية في تونس، سواء اضطر التوانسة للذهاب الى صناديق الاقتراع للاختيار بين «أول».. اثنين، أم فاز احد المرشحين الـ «22» بالرئاسة من الجولة الاولى، وبخاصة اذا ما ظهرت النهضة وكأنها دعمت المرزوقي وكادت (وربما نجحت) في الإبقاء عليه–إقرأ دميتها–في قصر قرطاج لمدة رئاسية كاملة.
عندها.. قد تتغير التحالفات وتنهار «إمكانية» التقاء نداء تونس مع النهضة في ائتلاف حكومي يأخذ طابع حكومة (إئتلاف).. وحدة وطنية، ما قد يشي عبور تونس مرحلة جديدة من التوتر والمواجهات بين التيارات السياسية المختلفة، ليبرالية ام يسارية ام قومية، في مواجهة «النهضة» التي قد تجد نفسها محاصرة و»تهرب» في اتجاه الارهابيين والتكفيريين (انصار الشريعة) الذين يتحصنون في جبل الشعانبي.
صحيح ان صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور التونسي الدائم العصري والحداثي الذي أُقِرَ مؤخراً، ليست واسعة، مقارنة بما يتمتع به مجلس النواب ورئيس الحكومة الا انه موقع مهم في لعبة الادوار والنفوذ والتأثير الدائرة الآن في تونس.