يقول رئيس هيئة مكافحة الفساد ان الهيئة تحول من ستين الى سبعين قضية فساد شهريا الى الجهات المختصة وانه لا يجري الإعلان عنها خوفا من تشويه سمعة البلد.
معنى كلام الباشا سميح بينو أن لدينا في العام ألف قضية فساد في المتوسط، وتحليلا لمغزى الكلام انه برغم كل ما يقال عن الحرب على الفساد، الا ان تدفق القضايا لا يزال مستمرا، هذا فوق القضايا التي لم يكتشفها أحد بعد.
لماذا تتواصل قضايا الفساد اذا برغم الإحالات للقضاء، وبرغم العقوبات، هذا سؤال مهم جدا، لان الاصل الردع، وقد يكون مغزى الكلام ان الردع لم يحقق نتائج؟!.
هناك خلط بين نمطين، الفساد الانطباعي والفساد الحقيقي، فكثرة ممن يتم اتهامهم بكونهم فاسدين وبيوتهم من مال حرام، يتم ظلمهم، وكثرة لا تتم الاشارة إليهم، أو يتم التعامي عنهم، هم فاسدون حقا.
كما أن من سمات الفساد في الاردن، اتهامنا كلنا لأي شخص محتمل بكونه فاسدا، ويصير هذا الاتهام ظلما في غير محله، اذا مسّ شخصا على صلة قربى بي، فتنقلب الآية، ويصير الذي يهاجم الفساد، مدافعا عن الفاسد هنا باعتباره مظلوما، وهذا يعني أن الحاضنة الاجتماعية إحدى مشاكل الحرب على الفساد.
في كل الحالات، فإن الرقم الذي أعلنه رئيس الهيئة مرعب، وليس صغيرا، أيا كان حجم القضايا، على الصعيد المالي، والرقم مؤشر على تدفقات مرتفعة مقارنة بكل ما نقوله عن الفساد، وحروبنا عليه، والواضح ان لا أحد يخاف، وأن الفساد بات ثقافة عامة، يتبناها كثيرون، من الموظف الصغير وصولا الى غيره.
هذا يعني أن إخفاء قضايا الفساد، بذريعة عدم تشويه سمعة البلد، وحتى لا ينفر المستثمرون، لم يؤد الى نتيجة أيضا، فالاستثمار أساسا ابتعد عن شرق المتوسط بسبب الربيع العربي.
ردع الفاسد اجتماعيا أمر ضروري، وهذا يعني الحث بشكل صريح على اشهار قضايا الفساد واصحابها، بأسمائهم كاملة، فلا مجاملة لاحد، ولا اختباء خلف شعار عدم جوازية تنفير المستثمرين.
الواضح أن المستفيد من هكذا شعار، طرف، غير المراد استفادته، وليس أدلّ على ذلك من أن حربنا على الفساد فشلت، بشكل عام.