يقول الرئيس الايطالي جورجيو نابوليتانو في تصريحات مشتركة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن «الارهاب» هو سبب مشاكل المنطقة، وهذه وجهة نظر منطقية، اذا ما تتبعنا تطورات الاوضاع في الشرق الاوسط منذ نحو ثلاثة عقود، لكن لماذا لا نتساءل عن اسباب وخلفيات ظهور «الارهاب» الذي يتوالد عاما بعد عام تحت اسماء تنظيمات وجماعات، ما أنزل الله بها من سلطان.
الا نتذكر ان هناك احتلالا لارض وشعب مستمر منذ نحو 65 عاما، لم يتحمل العالم خلالها مسؤولياته من اجل إنهاء الاحتلال، واعادة الحقوق الى اصحابها، رغم مطالبات قادة وشعوب المنطقة بالضغط على الاحتلال الاسرائيلي، الذي اشعل العديد من الحروب والازمات منذ نشأته ككيان محتل الى الان.
يبدوا ان الامر لن يتوقف عند هذا الحد، بل تتطور الامور يوما بعد يوم من اجل الغاء وجود شعب، من خلال سن المزيد من التشريعات العنصرية التي تجسد دولة دينية، تقبع خلف جدار فصل عنصري بغيض، يمنع الاهل من زيارة بعضهم، ويمنع المزارع من الوصول الى ارضه، فكان اخيرا اقرار مشروع قانون ما يسمى بـ«مشروع قانون القومية»، بأغلبية حكومية ساحقة، الامر الذي يلغي وجود شعب ويصادر المزيد من حقوقه، ويحظر لغته وحقه الطبيعي بالسكن والبناء والعيش على ارضه.
خطورة الطرح الاسرائيلي بـ«تهويد الدولة»، يعني في نهاية المطاف حرب دينية وايدولوجية وجودية، قد تقود المنطقة برمتها الى جحيم لا تعرف له نهاية، لن يكون العالم بمنأى عن اخطاره، حتى المقاومة السلمية التي يتحدث البعض عنها لن يسمح الاحتلال بها، وستكون بمثابة جرائم يعاقب عليها القانون الاسرائيلي في الداخل، وقد نشهد ابعادا لمواطنين فلسطينيين من اراضي الـ48، بحجة اثارة الشغب ومقاومة الاحتلال، وهذا يمهد لترحيل جماعي قسري جديد، لتفريغ القرى والمدن العربية من الفلسطينيين.
حتى الاوساط الاسرائيلية مختلفة على هذه التوجهات العنصرية، كونها تمثل تحايلا على مشاكل اسرائيل الداخلية في الاندماج وتبعات الاحتلال والاستيطان، وغيرها، وقد تقود المجتمع الاسرائيلي ذاته الى صراعات ومشاكل وحروب، هي في غنى عنها، في الوقت الحالي، فهذه الدولة بعد نحو 65 عاما على اعلانها، تبحث الان عن اعتراف جديد للتعامل معها، وهذه المرة من منظور ديني عنصري، لا يعترف بالهويات او الطوائف الاخرى في المجتمع سواء اسلامية كانت ام مسيحية.
اسرائيل التي اختارت التصعيد في القدس، منذ اغتيال طفل فلسطيني بطريقة وحشية بعد اختطافه من امام منزل ذويه في حي شعفاط بالقدس الشرقية، على ايدي متطرفين، ساهمت بشكل واضح بإشعال «انتفاضة القدس»، التي تمهد لانتفاضة فلسطينية ثالثة، ورأينا اشكالا جديدة من المقاومة من المستحيل توقيفها او لجمها، لانها تنطلق من قناعات افراد قرروا ان يمنعوا بما هو متاح امامهم، اعتداءات المتطرفين الصهاينة على المقدسات الاسلامية والمسيحية، ومحاولتهم استفزاز الاردن صاحب الولاية العليا على المقدسات، عبر المساس بالوضع القائم ومحاولة تغييره.
قد لا يستطيع احد التنبؤ بما ستؤول اليه الامور في المدينة المقدسة، لكن الواضح ان مسلسل سفك الدماء سيتواصل ولن يقتصر على طرف دون آخر، لان ارادة الشعوب وتوقها الى الحرية لن تقف امامه ثلة من المتطرفين، او السياسيين المراوغين الذين يفعلون عكس ما يقولون، وتبقى مسؤولية دعم صمود المقدسيين واجبة على الجميع، لان دعمهم يعزز صمودهم وثباتهم امام الرغبة الصهيونية الجامحة في تحويل الصراع الى صراع ديني بحت، ولا شك ان مبادرة «ادفع دينارا تنقذ مقدسيا»، وسيلة من وسائل الدعم، ولكنها لن تكون كافية بكل تأكيد لإنقاذ المدينة من الصلف والتبجح الصهيوني.