ضرب نتنياهو «ضربته» التي لم يُعرف بعد، ماذا كانت ستكون بداية النهاية لمستقبله السياسي أم ان هذا اليميني المتطرف والمتغطرس سيخرج من تحت إبطه «أرنبا» جديداً، يواصل بعدها مسيرته السياسية الانتحارية التي لن تجد في النهاية من يدافع عنها سوى جمهور الحريديين وأنصار اسرائيل الكبرى وبقايا معسكر جابوتنسكي الذي يتصدرهم الان نتنياهو نفسه.
تصدع الإئتلاف الحكومي الراهن (او الحكومة الثالثة التي يرأسها نتنياهو والتي وضعته على رأس قائمة رؤساء اسرائيل الذين ترأسوا حكومات بهذا العدد ولم يسبقه الى ذلك سوى ديفيد بن غوريون، ويبدو انه سيدخل التاريخ الاسرائيلي، اذا ما نجح في رئاسة إئتلاف حكومي «رابع» بعد الانتخابات التي ستجري في 17 آذار القريب).
نقول: تصدع الإئتلاف الحالي كان أمراً حتمياً، بعد ان وصلت الخلافات الى مرحلة باتت تهدد الزعامة «الفردية» التي كرسها نتنياهو في مسيرته السياسية والقائمة على التفرد بالقرار والنظر بإستعلاء الى شركائه في الحكومة من الاحزاب الاخرى، ما بالك ان ابرزهم وهو يائير لبيد زعيم حزب يوجد مستقبل (يش عتيد)، بلا خبرة سياسية أوقعه نتنياهو في فخ قبول «حقيبة المالية» التي لا يستطيع حاملها - أياً كان - ان يجني شعبية انتخابية منها.
الخبرة والدهاء (اقرأ التآمر)، اللذين يتميز بهما نتنياهو، اسهمتا في ايصال الامور الى خيار تفكيك الإئتلاف فهل يستطيع معارضو نتنياهو تشكيل حكومة بديلة؟
سؤال قد لا يخطر على بال أحد وخصوصاً اؤلئك الذين تغيب عن اذهانهم حقيقة ان ائتلاف نتنياهو الحالي لا يتوفر الا على اغلبية بسيطة جدا (63 عضوا) واذا ما سعى يائير لبيد (يوجد مستقبل) مع تسيبي ليفني (الحركة) باتجاه حزب العمل وميرتس فانهما يستطيعان «توليف» ائتلاف بديل، لكنه يحتاج الى مساندة من نواب الاحزاب العربية الممثلة في الكنيست الحالي (التاسع عشر) وهو امر لا يبدو وارداً لاسباب عديدة ليس فقط بسبب العداء المتصاعد للعرب في الدولة الصهيونية وسيادة خطاب اليمين وتوالي التصويت على مشاريع قوانين عنصرية تجد تجلياتها الكبرى في مشروع القومية او يهودية الدولة، بل وايضا لأن الانتخابات المبكرة باتت مؤكدة، ولهذا لا يريد هذا «الزعيم» الذي يصعب وصفه بأنه نسخة مغايرة عن نتنياهو، إلاّ في بعض التفاصيل الجانبية ونقصد هنا لبيد، ان يظهر بمظهر المعتمد على دعم الكتل العربية في الكنيست، كما كانت حال اسحق رابين في احدى حكوماته (اوائل التسعينيات) عندما اعتمد على اصوات النواب العرب وتتمتع بأغلبية (61 صوتا من اصل 120)..
اسرائيل إذاً، ذاهبة الى انتخابات مبكرة، لا يبدو ان احدا من قادة الاحزاب يريدها، لانها ستكون انتخابات مختلفة هذه المرة، بعد ان سجلت استطلاعات الرأي مزاجا مختلفا للجمهور الاسرائيلي يختلف عما كانت الحال عليه في انتخابات الكنيست التاسع عشر، حيث جاء لبيد من التلفزيون (كان مقدم برامج حوارية ناجحة وجماهيرية) ليحصد 19 مقعدا ويحل في المرتبة الثانية بعد الليكود (20 مقعداً) فيما تقول الاستطلاعات انه في حال جرت انتخابات الآن، لن يفوز بأكثر من عشرة مقاعد وهو امر لا يريده ان يحدث، وهي ايضا حال احزاب عديدة مثل شاس والحركة بزعامة ليفني التي قد تختفي من المشهد السياسي اذا لم يجتز حزبها نسبة الحسم - كما تقول الاستطلاعات عنها وعن حزب كاديما بزعامة شاؤول موفاز، فيما ستتعزز قوة الاحزاب اليمينية مثل ليكود واسرائيل بيتنا (ليبرمان) والبيت اليهودي (نفتالي بينيت) ووجه سياسي آخر ولكن «شرقي» هذه المرة اسمه موشيه كحلون كان عضوا في الليكود وانسحب.
من المهم في النهاية الاشارة الى ان الخلافات التي عصفت بائتلاف نتنياهو (حكومته الثالثة كما يجب التذكير) لم تكن على خلفية سياسية عميقة ذات علاقة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي، بل هي مسائل داخلية صرفة مثل موازنة الدولة للعام 2015 وخصوصا زيادة موازنة وزارة الحرب الصهيونية بأكثر من سبعة مليار شيقل، وايجاد موارد اضافية بمليارات الشواقل لنقل معسكرات الجيش الصهيوني الى النقب (في اطار مشروع احياء النقب وتهويده) كذلك في تخلي لبيد (وزير المالية) عن قراره بجعل قيمة الضريبة المضافة على شراء الشقق السكنية (صفرا) إضافة الى ان نتنياهو طلب من لبيد ان يتوقف عن انتقاد خطط الاستيطان في القدس الشرقية المحتلة وان يؤيد مشروع قانون القومية (يهودية الدولة) في حال عرضه على الكنيست.. ما يعني انه صراع على المكانة والنفوذ واصوات الجمهور الاسرائيلي، اكثر مما يؤشر على خلاف إزاء مستقبل «السلام» مع الفلسطينيين أو أن لدى لبيد وحتى ليفني مشروعا مضادا او رغبة في اطاحة نتنياهو لهذا السبب.
لعل ابلغ ما يجسد طبيعة الخلاف هي تلك العبارة المكثفة التي قالها نتنياهو نفسه: «بوجود الحكومة الحالية لا يمكن قيادة الدولة»، وسنعرف بعد معركة الاوزان والحجوم في 17 اذار الوشيك.. «آخر» تفاصيل المشهد الاسرائيلي.