رغم كل ما قيل عن اليمين الامريكي المتطرف دينيا، وعناقه للفكر الصهيوني بقيت المعلومات كالعادة خارج السّجال، وما يسمى الان علم الاجتماع الديني، هو المادة العلمية التي يتم من خلالها فَحص الظاهرة، وفي هذا السياق صدرت كتب وأبحاث بمختلف اللغات، لكن هناك تصورا عربيا في رصدها وترجمتها .
ومن هذه الابحاث كتاب ضمّ اربع دراسات لكُتاب ايطاليين بعنوان السّوق الدينية في الغرب ترجمة د. عز الدين عناية وهو من خلال الدراسات الأربع يحاول كشف المستور واسقاط الأقنعة عن تيارات تستخدم الدين لأهداف سياسية واقتصادية وعسكرية تتخطاه، بحيث يصبح مجرد وسيلة، ففي الولايات المتحدة هناك ما يقارب الألفين من الجماعات الدينية، فكيف تتعايش هذه الجماعات وبأي عقد اجتماعي او سياسي ؟ وهل هي بالفعل متعايشة ام انها في حرب دينية باردة ؟
ان اهمية علم الاجتماع الديني هي الكشف عن دور الدين في صياغة الهوية والوعي واخيرا الممارسة السياسية، خصوصا بعد أن اصبح الدين مُسَيّسا ومسلحا في العديد من بؤر الصراع في هذا الكوكب، وكما ان هناك علم اجتماع ديني يوجد ايضا علم اقتصاد ديني، ولعلّ هذا التصور هو ما أعطى عنوان الكتاب دلالته، وما لعبه الاقتصاد الديني من ادوار في بعض الدول خصوصا في الشرق الأوسط كانت له نتائج بالغة التعقيد على الصعيد السياسي والحراكات الانتخابية، لأن المال يجري ايضا تسييسه وتوظيفه باسم الدين ليصبح شباكا تصطاد الفقراء . وأهمية دراسات من هذا الطراز ليست فقط في الكشف عن المخفي وراء الكواليس، بل في اضاءة المشهد الديني في الغرب الذي لا يعرف عنه معظم العرب غير ما يُراد لهم ان يعرفوه، رغم ان اكثر الشرور التي لحقت بهم سياسيا وعسكريا خصوصا في حربي الخليج الثانية والثالثة كان مصدرها اليمين المسيحي المتطرف برموزه وجنرالاته المحفوظين عن ظهر قلب !
ان المعرفة السياحية بالغرب هي ما يطفو على سطح العلاقات الملتبسة والاشكالية بين هذه المنطقة المنكوبة والغرب الذي غالبا ما كان سبب نكباتها، ويبدو ان معرفة الآخر تشترط اولا معرفة الذات، ومن لا يعي ذاته والشروط التي تحاصره ليس مؤهلا لمعرفة الآخر سواء كان خصما او حليفا !