يرى ألون بن مئيـر أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية، بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط، بمعهد السياسة الدوليـة، إنّ إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تمرير مشروع قانون يعرّف إسرائيل كدولة الشعب اليهودي هو أمر «شائن كإنكاره بأن إسرائيل ليست قوّة محتلّة» فإذا كُتب لمشروع القانون هذا أن يمرّ الآن أو في المستقبل، فإنّه سينسف ما تبقّى من ديمقراطيّة إسرائيل ويدمّر – بدلا ً من أن ينقذ – آخر ملجأ لليهود كانوا يتوقون له منذ قرون طويلة من الزّمن، على حد تعبيره،
ويقول، إن ما فعله نتنياهو ووزراؤه المضلّلون – ليبرمان، بينيت، يعالون وشركاؤهم – هو أنهم جعلوا من إسرائيل دولة ً معزولة ومنبوذة، واضعة ً إصبعها في أعين المجتمع الدوّلي ومصوّرة ً اليهود كشعب عنيد ومتعجرف يتحدّى ناقديه بغطرسة وبدون عقاب، أكانوا أصدقاء أم أعداء، وبهذا لا يعطي نتنياهو وزمرته المبرّر فقط لما يسميها بن مئير اللاساميّة، بل يعطوا اللاساميين أنفسهم كلّ الذخيرة التي يحتاجونها لتبرير شعورهم بالاستياء من إسرائيل وتبرير كذلك أعمال العنف ضد اليهود في كلّ مكان ٍ تقريبا، ويخلص إلى النتيجة القائلة، إنه إذا استولى نتنياهو على رئاسة الوزراء مرّة أخرى، فإن وجود إسرائيل سيصبح في خطر، ليس لأنّ الفلسطينيين عازمون على تدمير إسرائيل أو لأنّ إيران تريد أن تمسح إسرائيل من الخريطة بأسلحتها النوويّة، بل لأنّ نتنياهو بأعماله يقتضب قطعة ً قطعة من «حقّ إسرائيل في الوجود» على حد تعبيره، ويعترف بن مئير أن نتنياهو بمجرّد تقديم مشروع القانون هذا تسبّب بأكبر ضرر ٍ لصورة ومكانة إسرائيل الدوليّة وأثار صرخة استهجان من مئات ألوف العرب الإسرائيليين المخلصين للدولة والذين يشعرون الآن بالخيانة والإبعاد عن مواطنيهم اليهود الإسرائيليين. أضف إلى ذلك، أن مشروع قانون نتنياهو هذا لم يفعل شيئا ً سوى الإعلان بأن مواطني إسرائيل العرب غير مرغوب بهم وغير جديرين بحق المواطنة في إسرائيل، أيّ الجنسية الإسرائيليّة. لن يكون لهم أساسا ً بهذا القانون أيّ مستقبل في مسقط رأسهم، في البلد الذي ولدوا فيه. وبهذا يشنّ نتنياهو في الواقع إرهابا ً نفسيّا ً ضد شريحة مهمّة من السكان الإسرائيليين ويرسل في نفس الوقت رسالة واضحة للفلسطينيين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة مفادها باختصار بأن حلّ الدولتين أصبح من عداد الماضي!
انتهى كلام بن مئير، وهو ليس متفردا في رأيه، حيث يشاركه هذا الرأي، العديد من المسؤولين الإسرائيليين، الحاليين والسابقين، بمن فيهم رئيس الكيان الصهيوني ريفلين والرئيس السابق شمعون بيرس وعشرات العلماء والقادة في الأجهزة الأمنيّة والاستخباراتيّة وملايين الإسرائيليين وجميع حلفاء إسرائيل، حيث لا يرون جميعهم أي تناغم أو سبب للإدعاء بأن مثل هذا القانون سيجعل إسرائيل أكثر أمنا ً أو يهوديّة ً عمّا هي عليه الآن!
كثير من الاستقراءات الاستراتيجية ترى أن تآكل إسرائيل، وهزيمتها، لن يكون من خارجها، بل من الداخل، ويبدو أنها تسير بخطى حثيثة نحو هذا المصير، فلم يسبق لإسرائيل أن كانت بمثل هذا التمزق والنزق، مع أنها في قمة قوتها العسكرية والسياسية، ومن الصعب في ظل الضعف العربي، ومسارعة الكثير من الأنظمة إلى كسب ودها وتوسل تعاونها لهزيمة ما يسمونه «الإرهاب الإسلامي» إلحاق هزيمة ذات مغزى بها، ويبدو أننا سنشهد المزيد من تآكل هذا الكيان الاستعماري، خاصة في ظل التوقعات التي تقول أن اليمين المتطرف سيكسب المزيد من التأييد الشعبي في انتخابات الكنيست في آذار، وهو ما يعني تسريع جنوح المشروع الصهيوني برمته إلى الهلاك، والانتحار، سواء عاد نتنياهو إلى الحكم أم لا، فرئيس الوزراء الإسرائيلي القادم لن يكون على كل الأحوال، اقل جنونا من نتيناهو!