يعوز المجتمع الدولي مزيدا من التفاعل الايجابي والتقدير الصائب لمواجهة التطورات الامنية في المنطقة، ويبدو ان بعض دول الاقليم المعتدلة بدأت تضج من عدم التجاوب السريع مع تحذيراتها ورؤاها لما ستؤول اليه الامور، اذا بقي رد الفعل على ما هو عليه، وبقدر يقل بكثير عما يحدث على الارض، وفي مقدمة هذه التطورات، تمدد نفوذ ما يسمى بـ«الدولة الاسلامية»، التي تحاول ان تتمدد في أكثر من قارة في الشرق والغرب.
تُثبِتْ الايام ان تحذيرات جلالة الملك عبدالله الثاني المتواصلة التي سمعناها منذ عدة سنوات، ونقلت بمختلف الوسائل الدبلوماسية والامنية والاممية، في محلها، فأهل مكة أدرى بشعابها، ونحن اكثر من نفهم طريقة تفكير وتطلعات وطموحات البعض، فلا يمكن حل مشكلة التطرف في المنطقة الا من خلال أدوات ووسائل تعزز الوسطية والاعتدال، واحلال الاستقرار وانهاء الاحتلال، ووضع حد للظلم، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي، وما يعزز الاقتتال في المنطقة الاستمرار في سوء تقدير الموقف، وتأجيج الصراعات الدولية على النفوذ، وحالة الفوضى العارمة التي تسبب بها غياب دولتين من أكبر دول المشرق العربي هما سوريا والعراق، وبتدخل ودعم اقليمي لحالة الفوضى، من اجل «المتاجرة» وتحقيق المكاسب السياسية.
تكمن خطورة التنظيمات المسلحة، بوجود كم هائل من الاسلحة تحت سيطرتها، وقدرتها على جذب مؤيدين ممن يحملون الفكر ذاته في اي من بقاع الارض، ووجود مصادر تمويل مختلفة ابرزها ابار نفط في سوريا والعراق، واستخدامه الوسائل التقنية لتوسيع نفوذه، وكل ذلك لم يكن ليتحقق لولا التأخير في التحرك الدولي لمواجهة تمدد نفوذ «داعش» شرق سوريا، ومن ثم الى غرب العراق، وبالتالي تعقيد المشهد أكثر وأكثر، بحيث اضحى الشعور لدى العامة، ان العالم يتحرك فقط عندما يتعلق الامر بالاقليات والعرقيات.
في مقابلته مع شبكة «بي بي اس» يعول جلالة الملك على عشائر شرق سوريا وغرب العراق للتصدي للفكر المتطرف، الذي قد يجد موطئا له في حال استمر التعامل مع قضايا المنطقة بنفس الطريقة التي تنتهج حاليا، وهي لن تقتصر على حدود جغرافية بحد ذاتها، بل على العكس، الارضية مهيأة للوصول الى أرجاء بعيدة في المعمورة، وفي نفس الوقت يؤكد الملك ان الاردن لن ينزلق داخل المستنقع بارسال قوات برية لقتال التنظيمات المتطرفة، فهو يعي حجم التحديات المحيطة، وطبيعة التنظيم الذي يضم عناصر قادمة من دول غربية وشرقية.
ما يحدث الان في الاقليم، اقرب ما يكون الى حرب عالمية جديدة تعلن ضد ما يسمى بـ«الجهاديين الدوليين» متعددي الجنسيات، الذين ينتظرون الاشارة بتنفيذ الاعمال في اي مكان على الارض، وكلما مضى الوقت دون وضع حد لتمدد نفوذ التنظيمات المتشددة، ومنع وسائل ادامتها وتوسعها،تصبح مسألة مواجهتها اصعب وأكثر تعقيدا، وما ازدياد اعداد اللاجئين الذين يشكلون اعباءً اضافية على دول المنطقة وفي مقدمتها الاردن، الا وسيلة من وسائل الضغط على هذه الدول المثقلة في اقتصادياتها اساسا، من خلال تزايد معاناة اللاجئين وتعاظم احتياجاتهم وبالتالي الاضرار بشعوب المنطقة، وما يزيد من تخوفاتنا فتح المجال لتسلل عناصر هذه التنظيمات الى دول الجوار، وتهديدها امنيا، وهذا ما يحدث في لبنان حاليا.
وعلى ذلك، ليس امام المجتمع الدولي من سبيل، سوى المضي قدما في تعزيز اسباب الاستقرار في المنطقة، وايجاد الحلول السياسية لقضايا المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فالوقاية خير من العلاج، والكف عن تسخير المنطقة كساحات للصراعات الدولية على النفط والغاز والمصالح الاقتصادية، والجدية في دعم الدول التي لا تزال تمثل صمام امان في منطقة تتجاذبها الصراعات على النفوذ، ويهددها التطرف والعنف الذي ليس له دين او حدود.