لا يحتاج الفلسطيني – اي فلسطيني – الى مبرر للقتل , فكونه فلسطينيا سبب كافٍ لقتله بدم بارد وكلفة لا تُذكر , سواء حمل مدفعا رشاشا او حمل فسيلة زيتون ليزرعها في ارضه وارض اجداده , القتل مجاني في فلسطين ويتطور يوما بعد يوم , فمشهد قتل زياد ابو عين كان موتا على الهواء مباشرة , دون اضاءة او اكسسوارات او مشاهد ديكور , فما كتبه غابرييل غارسيا ماركيز ذات رواية اسمها « قصة موت معلن « نقلها المخرج الاسرائيلي الدموي الى ارض الواقع , فماركيز لم يعد صاحب مدرسة الخيال الواقعي فقد انتج الاحتلال الاسرائيلي روايته على ارض الواقع وسحب منه اللقب .
زياد ابوعين رئيس هيئة مقاومة الجدار العازل والاستيطان , وهو الذي يقود نشاطا سلميا مع نشطاء من جنسيات متعددة صبيحة كل يوم جمعة , ومات حيث يحب دون خيار منه طبعا , ولو ادرك القاتل ان هذا المكان يحبه زياد لقتله في مكان آخر , فهو يحب القتل فقط دون النظر الى طموح الضحايا او تحقيق مطالبهم كما هي العادة قبيل تنفيذ حكم الاعدام , فالقاتل يدرك ان ما يحبه زياد ويشتهيه رحيل القاتل وغياب ظلّه عن هذه الارض .
زياد اختار البقاء بالشهادة , فهو كان يزرع اشجار الزيتون على ارض محتلة وستلتهمها المستوطنات قريبا , فأراد ان يترك ذكرى او ذاكرة للارض وعليها , ليقينه ان ما سيتلو شهادته مجرد العاب نارية سياسية , سيطلقها قادة عابسو الوجه يرتدون بدلات انيقة وربطات عنق فاخرة , سرعان ما يقايضون دمه بجلسة مع القاتل لاستمرار الحوار والتفاوض على شكل القتل وربما تنجح المفاوضات في الوصول الى اتفاق يؤكد ضرورة القتل الرحيم للقضية وللشعب في آن واحد , فمن قتل زياد جاثم بيننا ويلبس لبوس فلسطين وقضيتها .
مات زياد موتة على الهواء مباشرة , لكن موته سيمر مثل لقطة في مسلسل درامي ينجح في سقوط بعض الدمع على القضية وسيمر الموت بوقار شديد على الشباب المرافقين لزياد وبوقار مصطنع على قيادة اثرت ان تجتمع لدراسة الموت الذي فضح كل اشكال الرهان على التفاوض والحلول السلمية , فبقاء غصن الزيتون لن يشفع بعد اسقاط البندقية , فيد تحمل غصن الزيتون وحده ستبتر اذا لم تحمل اليد الثانية بندقية .
زياد كان حكاية ترويها سجون الاحتلال الامريكي قبل الاسرائيلي وكان اول من انتج غوانتناموا في العام 1981 حين اعتقلته الادارة الامريكية وقامت بتسليمه الى الكيان الصهيوني وقبلها تم اعتقاله في العام 1977 ليمضي ما مجموعه 13 عاما في السجون , وبقي امينا للمحاربين القدامى ولرفاق السلاح والاعتقال الى ان اسلم الروح الى خالقها بعد ان ضاقت به قنوات السلطة وضاقت به شوفينية الفصائل , فهو يحلم بالوحدة والتحرير والتقاء الفلسطيني والمقاومة الحقيقية .
زياد ببساطة سقط ليكون وصمة عار في جبين كل من بقي على حلم السلام والحوار دون مقاومة , والاهم ان دمه سيكون صوتا مهما في صناديق الاقتراع الاسرائيلية اذار القادم , فنشاط زياد ضد الجدار كان شاهدا على مجزرتين , مجزرة الجدار العازل والاستيطان ومجزرة الصمت الفلسطيني على مستوى القيادات ضد جرائم اسرائيل ومماطلة القيادة الفلسطينية في التوقيع على اتفاقيات ملاحقة اسرائيل على جرائمها في الجنائية الدولية ذلك اضعف الايمان .
زياد بشهادته اضاف فصلا جديدا في رواية التغريبة الفلسطينية على الارض وفي الشتات ومنح انصار الحق الفلسطيني في العالم الغربي شهادة موثقة بالصوت والصورة كي يستمروا في دعم القضية ومنح الفصائل الفلسطينية المتناحرة والقيادة المترهلة شهادة وفاة مشاريعهم السياسية والتفريطية .
زياد اعاد الاعتبار لغصن الزيتون بشهادته فهل تُعيد القيادة الفلسطينية وفصائلها الاعتبار للبندقية ؟