أخر الأخبار
لماذا لا تصبح غزة كلها دواعش؟!
لماذا لا تصبح غزة كلها دواعش؟!

بعيدا عن الجدل حول حقيقة وجود داعش في غزة ام لا، و بعيدا عن البيانات التي تصدر و تنسب باسم التنظيم و التي اجزم انها بيانات غير حقيقية و استخدام هذا الاسم هو للتغطية على الهوية الحقيقية لمن يقف خلفها، و بعيدا عن الاتهامات المتبادلة من هنا وهناك، و اذا ما افترضنا ان التربة الخصبة لتنظيم داعش و بقية التنظيمات المتشددة او المتطرفة هي الفقر و الضغط النفسي و مشاكل الحياة التي يواجهها الانسان دون القدرة على ايجاد حلول لها، لماذا الاستغراب اذن ان يكون هناك داعش في غزة ، و لماذا الاستغراب ان لا تصبح غزة كلها كتلة واحدة من الدواعش؟

 ما الذي تنتظرونه من شاب فلسطيني انهى دراسته الثانويه هذا العام و حصل على قبول في احدى الجامعات العربية او الاجنبية ، و حصل على فيزا و تدبر ثمن تكاليف السفر بعد جهدا جهيد ، او حصل على منحه من احدى الجامعات، حيث تعتبر   فرصة العمر التي لا تعوض بالنسبة له، كونه لم يغادر حدود غزة و لو مرة واحدة في حياته. هذا الشاب ما زال منذ اشهر ينتظر ان يفتح المعبر لكي يصل الى جامعته ، او يعطف عليه احد من جهات الاختصاص ربما لاجراء تنسيق له بالسفر عن طريق جسر الكرامة مرورا بمعبر ايرز. لكن على ما يبدوا انتظار هذا الشاب سيطول كثيرا و انتظار المئات من الشباب امثاله سيكون طويلا ايضا . اذا ما استمر الحال  على ما هو عليه ماذا تنصحون هؤلاء الشباب ان يفعلوا،؟ لماذا تستغربون و في ظل تحطيم كل آمالهم و طموحاتهم و امام معبابر مغلقة و مستقبل لم يعد مجهولا بل مظلما و ظالما، لماذا تستغربون عليهم اي تفكير ؟ 

ماذا تنتظرون من عشرات الشباب من اهل غزة الذين كانوا يأملون بالالتحاق بالاكاديمية الامنية في اريحا بعدان  اجروا الفحوصات الطبية اللازمة و قيل لهم انه تم قبولهم و فقط لم يبقى الا عقبه بسيطة و هي اجراء تنسيق لهم او عمل تصريح للخروج من معبر ايرز الى اريحا و ان الكشوفات جاهزة و قيد المتابعه  لدى الشؤون المدنية ؟! لكن  على ما يبدوا ايضا هذه   الكشوفات ستبقى هناك مدة طويله كما حدث في العام الماضي و العام الذي سبقه و بقية السنوات الاخيرة، لان الاجابه جاهزة وهي ان اسرائيل رفضت اعطاءهم تصاريح .  

لذلك،  و خلال هذه السنوات لم يصل الاكاديمية الامنية في  اريحا من شباب غزة سوى بعض الشباب الذي لم يتجاوز عددهم اصابع اليد الواحده، وهم جميعهم وصلوا بمجهودهم الذاتي . وصلوا  الى هناك اما بحكم عمل ذويهم او بحكم مواقعهم في السلطة. هؤلاء العشرات من الشباب الذين تحطمت آمالهم و طموحاتهم بأن يشقوا طريقهم من خلال هذه الاكاديمية الامنية او اي طريق اخر يعطيهم الامل في المستقبل ، لماذا تستغربون من سلوكهم او تفكيرهم في المستقبل، و بماذا تنصحونهم ان يفعلوا؟ هذا  الامر بطبيعة الحال  ينطبق ايضا على الشباب الذين تم قبولهم في كلية العلوم الشرطية في مصر و لم يتمكنوا من الوصول هناك و لم يشعروا ان احدا قد بذل ما يكفي من الجهد لايصالهم الى هناك. النتيجة و بغض النظر عن السبب الذي لم يعد يعنيهم هو  انهم لم يصلوا و فقدوا هم ايضا هذه الفرصه ليلتحقوا بجيش المحبطين و المقهورين و الفاقدين الثقة بكل الجهات و التنظيمات. 

ماذا تنتظرون من عشرات الالاف من الشباب الذي انهى دراسته الجامعية و التحق بجيش  العاطلين  عن العمل و الذين يعيشون بلا امل في  ان يجدوا عمل ، على الاقل في  المدى المنظور ، و بالتالي غير قادرين على الزواج  وتكاليفه الباهضه مما يعني ارتفاع نسبة العزوبية و العنوسه بكل ما يترتب على ذلك من مشاكل و امراض اجتماعية. ؟ ماذا تنتظرون من هؤلاء ان يفعلوا في حياتهم ؟ لماذا لا تستبعدون او تستغربون منهم اذا ما اصبحوا يفكرون بشكل متطرف؟ 

ماذا تنتظرون من المرضى و ذويهم الذين يعانون اكثر من المرضى انفسهم و هم يشاهدون ابناءهم يموتون بين ايديهم بسبب قرارات ظالمه و اجراءات بيروقراطية تضع حياة الناس في كف و الحرص على توفير بعض آلاف الدولارات لموازنة السلطة على حساب حياتهم  في كف آخر؟ ماذا تنتظرون من اب لطفله تموت بين يديه و هو يجري بها من دائرة لدائرة او من موظف لاخر و مازالت تحويلة العلاج  لم تصل و ان وصلت  لم يتم الحصول بعد على تصريح الخروج الاسرائيلي  او لم يفتح المعبر بعد. ماذا تنتظرون من هؤلاء ان يفعلوا او يفكروا ؟ لماذا تستغربون منهم ان يفكروا بأي شيء ؟

ماذا تنتظرون من الذين يجلسون على اطلال بيوتهم المدمره و مازالوا ينتظروا اعادة اعمارها بعد ان سمعوا عن جمع المليارات باسمهم ، و منهم من يعيش حتى الان في مراكز الايواء او في بيوت متنقله او ربما في خيام. يجلسون فوق ركام امالهم و احلامهم وهم يستمعون الى تبادل الاتهامات في تعطيل مسيرة اعادة الاعمار. كيف تنتظرون منهم ان يتصرفوا اذا ما طال هذا الوضع؟ 

المشاكل و المعضلات التي تعاني منها غزة و اهلها كثيرة ، و ما ذكرته فقط بعض النماذج  لهذه المعضلات، لكن السؤال هو 

من الذي يجب ان يتحمل مسؤلية معالجة كل هذه المصائب و تفكيك كل هذه الازمات؟ القول بأن الجميع يتحمل المسؤولية هي عبارة فارغة و ممجوجة. الذي يتحمل المسؤلية هو المسؤول وفقا لموقعه و مركزة و صلاحياته. و من لا يستطيع ان يقوم بواجباته عليه ان يترك موقعه لمن هو قادر على معالجة قضايا الناس و تفكيك ازماتهم و تلبية احتياجاتهم. المسؤالية من وجهة نظري تقع اولا وقبل كل شيء على الرئيس عباس بصفته رئيسا للسلطة و رئيسا لمنظمة التحرير صاحبة الولاية على هذه السلطة، و من ثم على رئيس حكومة الوفاق الدكتور رامي الحمد الله و اعضاء حكومته، و المسؤلية من ثم تقع على حركة حماس بصفتها الحاكم الفعلي لقطاع غزة و بعد ذلك تقع المسؤلية على كل شخص وفقا لمركزة و مجال تخصصه. 

باختصار ايها السادة، اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه في غزة ، انتظروا منها اي شيء ، و ما غريب الا الشيطان.