تأتي زيارة وفد قيادي من حركة حماس برئاسة محمد نصر الى طهران امس في ظل حالة من الحراك الداخلي في أوساط حركة حماس قيادة وقواعداً،وهذا الحراك خلق واوجد تياران في الحركة،تيار يقف الى جانب محور قطر وتركيا وكذلك تعميق علاقة الحركة وارتباطاتها التنظيمية والفكرية والسياسية بحركة الاخوان المسلمين،ويقود هذا التيار رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل،وفي المقابل تيار آخر يدعو الى تطبيع علاقة حماس مع محور ايران وحزب الله والى حد ما سوريا،ويقود هذا التيار عضو مكتبها السياسي الدكتور محمود الزهار وكتائب القسام،وقد برز الخلاف بين التيارين في الحرب العدوانية الأخيرة التي شنها الإحتلال على قطاع غزة(العصف المأكول أو البنيان المرصوص)،حيث صراع المحاور كان يجري على أرض قطاع غزة،ويشترك فيه هذان المحوران بالإضافة الى المحور المصري- السعودي- الإماراتي،وقد برز الخلاف بشكل علني،ليس فقط من الموقف من التهدئة والرعاية المصرية لإتفاق التهدئة،بل كان واضحاً من خلال توجيه رسائل الشكر لمن وقفوا الى جانب المقاومة ودعموها،حيث حرص مشعل على توجيه الشكر للدوحة وانقرة ووسائل الإعلام المرتبطة بهما ،وأغفل ذكر ايران وحلفائها الداعمين بشكل فعلي لحماس والمقاومة،بالسلاح والمال والموقف والمساعدات الإغاثية،وفي المقابل الزهار وجه الشكر للجمهورية الإسلامية ولوسائل الإعلام المرتبطة بمحورها.والصراع الداخلي بين هذين التيارين والمراجعة الداخلية الجارية في حماس،على صعيد الموقف والرؤيا وشبكة العلاقات والتحالفات،مرتبطة بحماس كحركة براغماتية تضع مصالحها اولاً فوق أي مصالح اخرى،ويبدو بان هناك جملة من التطورات لعبت وتلعب دوراً في هذا التطور وهذه التغيرات،وفي حسم الصراع الداخلي لصالح التيار الذي يقوده الزهار وكتائب القسام.
إن المحور الذي راهنت عليه حركة حماس(القطري- التركي-الإخوان المسلمين"مصر" بشكل أساس،ومعهم السعودية والإمارات العربية)،تعرضت اوراقه للبعثرة،حيث ان سقوط مرسي وحكم الإخوان في مصر،ألقى بظلاله على هذا التحالف،حيث اصطفت السعودية والامارات العربية الى جانب النظام المصري الجديد،وهذا المحور اتخذ مواقف متشددة من حركة الإخوان المسلمين،وصلت حد القنونة،واعتبار حركة الإخوان المسلمين حركة "إرهابية"وهذا يطال الجمعيات والمؤسسات المرتبطة بها،ولحماس ارتباطاتها التنظيمية والفكرية والسياسية مع الإخوان،وهي لذلك تأثرت بهذه القرارات وهذه الموقف،وأصبحت مواقف تلك الأنظمة من حركة حماس متشددة ومتماثلة الى حد كبير بالموقف من حركة الإخوان المسلمين.
إن المحور الذي لعب الدور الفاعل (القطري- التركي ومعهم الإخوان المسلمين) الدور الرئيسي في حدوث الإنقلاب السياسي في حركة حماس ،وإنتقالها من المحور الذي كانت ركن أساسي فيه محور المقاومة والممانعة(ايران – حزب الله وسوريا)،لم يقدم لها سوى الوعود والشعارات،لا سلاح ولا مال ولا حتى مساعدات إنسانية،بل تولدت قناعات عند بعض قيادات حماس،بان هذا المحور الذي كان يقول لها بأن نظام الأسد ساقط لا محالة،وعليها ان تنجو بنفسها وأن تغير شبكة علاقاتها وتحالفاتها ومواقفها،كان يمارس دور المتآمر على المقاومة والقضية والمشروع الوطني،وكان يهدف لتطويع الحركة وإدخالها في دهاليز المشروع السياسية المشبوهة.
بعد عملية العصف المأكول او البنيان المرصوص،وما حدث من تطورات،حيث ان اوضاع حركة حماس زادت تفاقماً،فلم يتم ترجمة ما تحقق من صمود ونصر في الحرب الى نصر في السياسة،حيث أن الوضع الداخلي الفلسطيني المتوحد في الحرب،تفاقمت ازماته وخلافاته،حيث الإنقسام تعمق وحكومة الوفاق الوطني،لا تمارس أي دور او مهام،وهي شكلانية اكثر منها حكومة جامعة وموحدة،وكذلك قضايا الإعمار تسير ببطء شديد،وبما يفاقم من ازمات الناس هناك،وخصوصاً المشردين الذين هجروا من بيوتهم بسبب تدميرها في القصف الإسرائيلي،وما زالوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء،وكذلك هو الحصار لم يتم رفعه،والمعابر لم يتم فتحها،وازمة رواتب موظفي سلطة حماس ال(40000 ) لم تجد لها حلاً.
ضغوط كبيرة تواجها حركة حماس،وظروف غاية في الصعوبة،ووعود تتلقها من المحور الداعم لها (قطر- تركي والإخوان المسلمين)،ولكن لا ترجمات عملية على أرض الواقع،فهذا المحور بحاجة الى قرار امريكي ،لكي يقدم الدعم والمساعدة،وكذلك من شاركت حماس في الحملة الظالمة عليهم ووصفهم بالمجوس والشياطين والروافض وحزب اللات والنظام"المجرم" وقاتل" الأطفال في دمشق،ناهيك عن عقد المهرجانات والمؤتمرات الصحفية التي رفع فيها علم الإنتداب الفرنسي ،نكاية بالنظام السوري،رغم كل ذلك لم يتخلوا عن حماس والمقاومة،وكانوا معنيين،وعلى قناعة بأن حركة حماس ستعود الى حضن هذا التحالف.
والصحيح ومن المنصف هنا القول بان حركة الجهاد الإسلامي بقيادة امينها العام رمضان عبدالله "أبا عبد الله" لعبت دوراً بارزاً في العودة التدريجية لحماس الى المحور الذي غادرته،وهي باتت على قناعة تامه،بأنه لكي تنجو مما تعرض له من خناق وحصار،فليس امامها سوى المراجعة والعودة،ولكن لكي يندمل الجرح فهو بحاجة الى المزيد من الوقت،فالتحالف والمحور الذي غادرته حماس،وأحتضنها يدرك جيداً بان منطلقات حماس ليست مبدئية،بقدر ما هي مصلحية تقوم على ان مصلحة الحركة فوق أي مصالح اخرى،فهل تعي حماس بأن لعبة الرقص على الحبال والمحاور،ستعرضها الى الكثير من الهزات وفقدان الثقة والمصداقية،ولكن عودة متأخرة أفضل من لا عودة.