قبل بضعة أشهر كان أعضاء الحلقة اللصيقة من طاولة القرار الأردني قلقون جدا من الوضع الإقليمي المحيط بنا ، ورغم أهمية صعود تنظيم داعش والحرب الطاحنة في سوريا وخروج الربع العراقي الغربي والنصف السوري الشرقي عن خارطة السلطة الحكومية وسيادة الأمن والقانون ، والضغط الهائل للاجئين السوريين داخل الأردن ، وتضخم المارد الإيراني من اليمن جنوب اليمن حتى جنوب لبنان مرورا بجنوب العراق والجزيرة ، وتحديات الطاقة والفاتورة الأمنية وعجز الموازنة ، فإن الملف الأحمر الذي كان يقرأ منه الجميع هو ملف القدس ، وكان ذلك أكثر ما يقلق الجميع وليس الجميع فقط بل والملك أكثر.
المعلومات تصلنا ونطلع عليها دون أن نفهم حقيقة أين يبدأ وأين ينتهي الدور الأردني ، وكان أحد أعضاء الحلقة قلق جدا ، ومصدر قلقه هو القلق الذي يعاني منه من هو أهم منه بكثير ، لذلك حاولت خلال الفترة الماضية قراءة وربط ما يجري ، في محاولة لفهم قاعدة يمكن البناء عليها لتحديد ما يقلق صانع القرار وطاولة السياسات في ظل غياب واضح في المعلومة والشرح ، وغياب الشارع السياسي الأردني عن أسرار ما يجري حولنا ، لنسمع تعليقات وردود أفعال تخرج من شخصيات وأحزاب وجماعات تعبر عن رفض ما يفهمونه مما يتسرب ، فيما طاولة صنع القرار أشبه بالأب الذي يعرف أكثر مما يجب ، ويتحمل وجع الصمت وتعب القلق الذي قد لا يفهمه ولا يقدره أبناء العائلة.
القدس الشريف هي القضية المركزية اليوم ، ومن يمسك بملف القدس يستطيع أن يفاوض في جميع الملفات ، وهذا ما يعطي فرصة أكبر لتحسين شروط التفاوض مع أصلف وأعند خصم قد يواجهه العرب ، إنها الحكومة الإسرائيلية ، إنها أشبه ما تكون بالمنجل في يد رئيسها ،ويستطيع جز سنابل الحقول السياسية والأمنية لصالح فكرته ، لذلك كان بنيامين نتنياهو يصارع للحفاظ على تماسك الحكومة ، وكانت زياراته الأخيرة للأردن والإجتماع مع جلالة الملك هي إحدى الأوراق التي كان يراهن عليها للحفاظ على إئتلافه ، قبل أن يستسلم لقرار الإنتخابات المبكرة.
يقول مسؤول رفيع ومقرّب أنه لم يرّ جلالة الملك غاضب خلال خدمته الطويلة بمعيته كما رآه خلال المواجهات التي اندلعت في القدس قبيل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد توسط وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مؤخرا ، فالوضع في القدس لم يكن يحتمل ، ويردف المسؤول بالقول: لأول مرة يخرج الملك عن البروتوكول ويرتفع صوته ليسمعه من كان في الردهة الخارجية خلال الإجتماع الثلاثي ، وهذا ما يفسر لنا فيما بعد لماذا اتصل نتنياهو من عمان مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي !
كان من نتيجة اللقاء كما هو معروف وقف الأعمال العسكرية في القدس وتخفيف الإجراءات ضد المقدسيين والسماح بدخول المصلين من كافة الأعمار لأول مرة منذ سنوات ، ولأول جمعة يصلي أكثر من أربعين ألف مصل في المسجد الأقصى ، فيما فرض حتى اليوم منع دخول الإسرائيليين والمتدينين والسائحين من البوابات الأخرى وتخصيص باب المغاربة لهم فقط ، وكل ذلك أثار حفيظة اليمين الإسرائيلي وكثيرا من السياسيين والمتطرفين وبدأت عجلة الصراع تدور أكثر ضد إخضاع نتنياهو وحكومته لصالح الأردن.
لذلك لم نستغرب خلال المرحلة الماضية الإنتقادات التي وجهها العديد من السياسيين والكتّاب الذين يعبرون عن وجهة نظر اليمين الإسرائيلي للأردن وقيادته ، ومن وجهة نظر سياسية فإن لديهم الحق في الغضب منا ، فالأردن وحده هو من يقلق إسرائيل ، وبقية الدول ليست ذات شأن مهم ، والقيادات العربية ليس من مهماتها الأولى وحتى الأخيرة مواجهة إسرائيل لعيون القدس ، والأخوة الفلسطينيون منشغلون بخلافاتهم الشخصية ، والإدارة الأمريكية غير متحمسة كثيرا ، ولا يمكن أن تثور الشعوب العربية ضد قصف المسجد الأقصى ، فكيف بقتل وزير في السلطة أو مجموعة من الأطفال أو بناء المستوطنات.
الخلاصة.. الأردن والملك وحده هو من يستطيع كبح جماح الإسرائيليين الغزاة ، ولا يمكن القبول بتخلينا عن دورنا رغم الإحباطات والإتهامات فالملك كما يفهم الإسرائيليون هو حارس الأملاك القدسية وهو كذلك !