قبل عدة أيام شاركت بندوة مهمة نظمها مركز دراسات الشرق الاوسط، وكان عنوانها الرئيس «تحولات الصراع العربي الاسرائيلي بعد الحرب على غزة 2014»، وذلك انطلاقا من رؤية تقوم على اعتبار الحرب على غزة لحظة فارقة في تاريخ الحروب العربية الاسرائيلية منذ منتصف القرن الماضي، حيث قدمت المقاومة الفلسطينية أداء مميزا على الصعيد العسكري والامني والاعلامي بصورة أصابت الاسرائيليين بالصدمة.
ورغم أهمية القراءات التي قدمت خلال هذه الندوة وكلمات المتحدثين وأوراق العمل إلا أنني توقفت عميقا عند ورقة عمل هامة جدا قدمها الدكتور مهند مصطفى الباحث الفلسطيني والمحاضر في العلوم السياسية في جامعة حيفا والتي تطرقت بعمق الى عناصر القوة، والضعف لدى إسرائيل في ضوء الحرب وأثرها في نظرية الامن الاسرائيلية.
ويرى الباحث أنه لا يوجد نظرية أمن في إسرائيل بل هناك مفهوم أمني يجري الانتقال به حاليا من مفهوم «بن غوريون « الى مفهوم جابوتنسكي، حيث يقوم المفهوم الاول والذي ظل سائدا زمنا طويلا، على مركبات أساسية هي الحسم والانذار المبكر والردع لأي تهديد الى جانب محاور فرعية تتمثل في بناء جيش الشعب والسعي الى نقل المعركة خلف خطوط العدو وتمتين الجبهة الداخلية.
ولفت الباحث الى أن التآكل في المفهوم الامني السائد بدأ يتشكل منذ عام 2006 وهي الحرب التي عرفت بحرب تموز في لبنان، جراء فشل مفهوم الانذار المبكر، ويقول إن المفهوم الامني الجديد تم تطبيقه في حروب غزة وهو مفهوم ديناميكي وليس نهائيا ويمر بحالة من التشكل ويستند هذا المفهوم، الى بنود أساسية تتمثل في مفهوم الضاحية الذي جرب في لبنان عبر قصف عسكري شديد للمواقع المدنية لتحميل المقاومة ثمنا شعبيا قاسيا، وقصف البنية التحتية والاعتماد على سلاح الجو والاغتيالات السياسية.
ويخلص الباحث الى أن نظرية الامن الجديدة واجهت تحديات في غزة، تتمثل في الصواريخ والانفاق والمبادرة العسكرية وهي أول مرة تشهدها إسرائيل في حروبها الى جانب فشل الانذار المبكر حيث تدحرجت الاوضاع من حالة أسر مستوطنين في الخليل الى حالة حرب شاملة في غزة، وسقوط حالة الحسم السريع إسرائيل تطور مفهومها الامني وتستفيد من الاخطاء والدول العربية تتحول من» مدن الى مخيمات « كما تقول أحلام مستغانمي، ترى هل حان الوقت الى التفكير بعمق بتداعيات الحالة العربية الجارية والعودة الى مفهوم الامن القومي العربي أم أن ذلك أصبح جزءا من التاريخ وعلينا إغلاق صفحاته لتتحول الى ذكرى وصور هامشية في الزمن العربي الجديد الذي يقوم على ذهنية الفرجة..!