وكأن عقوبة الإعدام باتت الشغل الشاغل للجميع، مؤيدين ورافضين، والمتأمل لحياتنا يكتشف ببساطة ان لدينا كل اسبوع قصة، نتشاغل بها، فنطحن الماء، ونحصد الهواء.
آخر التداعيات على خلفية تطبيق عقوبة الإعدام على أحد عشر شخصا، على خلفيات جرمية، اعتراض السفير البريطاني بتعليق، أبدى فيه أسفه، وحث عمان على عدم مواصلة الإعدامات.
الى هنا يبدو الأمر مألوفا، لأن ذات السفير علق على قضايا كثيرة سابقا ولم يعترض أحد، هذا على الرغم من ان الافضلية الدبلوماسية، تقول ان التعليق على شأن داخلي، من جانب سفير، لايجوز عبر وسائل إعلامية، وقد جرت العادة لبعض العواصم النافذة، ان توصل وجهات نظرها مباشرة، عبر لقاءات مع مسؤولين، أو بوسائل مختلفة، دون اللجوء لوسائل الإعلام او التواصل الاجتماعي، سلبا او ايجابا، ولهذا تبقى تعليقات السفراء، غير محبَّذة في المجمل.
غير ان كل هذا في واد، ومطالبة النائب طارق خوري بطرد السفير البريطاني من عمان، في واد آخر، لأنه علق على عقوبة الإعدام ، و»خوري» يريد طرد السفير، لاعتبارات كثيرة، من بينها دعم لندن للصهيونية العالمية، وهذا اكتشاف متأخر!.
عدد السفراء الذين تتم المطالبة بطردهم في عمان، كبير، وهذه هي قصتنا اليوم، قبل قصة السفير البريطاني حصريا، فكل شخصية اعتبارية او سياسية او حزبية أو إعلامية، طلبت في مرحلة ما، طرد سفير، وقد سمعنا عن مطالبات كثيرة، تبدأ بسفير الاحتلال في عمان، وتمر بسفير واشنطن، وتصل سفير لندن ودول اوروبية مست الاسلام عبر رسامين، او إعلاميين، والأمر ذاته امتد الى سفراء العراق وسورية وايران ودول عربية وإسلامية اخرى، لقي كل واحد منهم نصيبه بالمطالبة بطرده، لسبب ما، اما تصرفه الشخصي، او سمات النظام الذي يتبعه.
لا تدار العلاقات الخارجية عموما بهذه الطريقة، اذ ليس معقولا، كلما دق الكوز في الجرة ان تتم المطالبة بطرد سفير، وباستثناء السفير الاسرائيلي، فإن البقية لا يجوز إدارجهم ضمن قوائم السفراء المطرودين من الاردن، وهي قائمة اشبعناها ادراجا.
كيف يعقل لبلد يعيش على مساعدات واشنطن، ان يطرد السفير الأمريكي، وبلد لديه مصلحة عند العراق، ان يطرد سفيره في عمان، وبلد يعرف ان لندن عاصمة وازنة في العالم، ان يستجيب لمطالبات الطرد، وبلد يستفيد سياسيا أو اقتصاديا أو أمنيا، من دول كثيرة، ان يقوم بطرد سفراء هذه الدول، كلما طالب احدهم بطرد سفير؟!.
نلتقي مع «خوري» في اعتراضه على مبدأ تعليق لسفير على شأن داخلي اردني، غير ان الحل ليس الطرد، فنحن ايضا لسنا دولة عظمى، يحتاجنا العالم، ومهمتنا فقط تأديب السفراء واعادة تأهيلهم، في الوقت الذي نحتاجهم في الف محفل وعاصمة وقضية، فيما تبقى سقوف المطالبات من جهة اخرى شعبوية وغير عميقة، وتعبر فقط عن سياسة اللحظة، لا عن الكيفية التي تدار بها الدول، وعلاقاتها.
يبقى سفير لندن، وغيره من سفراء، شخصيات اعتبارية يمثلون دولا للاردن مصالح معها، ولا يجوز هنا الخلط بين معايير السياسة، وعقوبات الملاعب، التي تتضمن احيانا عقوبة الطرد من الملعب، بكرت احمر!.
وكأننا دولة عظمى، يكون مفهوما فيها، طرد سفير دولة ما كل يومين!.