هل يكفي قرن واحد من التاريخ بكل ألفياته كي تنقلب المفاهيم رأسا على عقب؟!، هذا السؤال راودني ونحن قاب عامين او أدنى من مئوية «سايكس بيكو»؛ التي لم يبق قومي عربي لم يلعنها ولم تفشل وحدة ثنائية او ثلاثية الا وقد تذرّعت بها .
ويُروى انّ العرب في عصر ازدهارهم الرشيدي وحين كانوا يقولون للغيمة التي تمر في فضائهم، «اذهبي حيث شئت فإن خراجك لنا» صنعوا ساعة أهداها الرشيد الى اوروبا، لكن الساعة التي اخترعها أحفاد الرشيد والتي تستحق براءة اختراع بجدارة هي من طراز آخر، لأنها صُنعت في زمن عربي تتبخر فيه المياه وكل السوائل لتصبح غيوما تمطر على الاخرين ويكون خراجها لهم، ساعة عقاربها تدور بانتظام الى الوراء، وهذا ما يسمى الان علميا قانون نمو التخلّف .
من لعنوا «سايكس بيكو» علانية يبكون عليها اليوم سرّا لأنها تبقي هذه الاقطار بلا تشطير الى خطوط طول وعرض طائفية .
هكذا كان الاستعمار أرحم من أهل المستعمرات بها لأنه اكتفى بتقسيمها الى دول وليس الى طوائف ودكاكين بحيث تمتلئ ارصفة العواصم بباعة الهويات المتجولين .
تصوروا اننا في مئوية «سايكس بيكو» نعتذر لها عن كل الهجاء السياسي الذي أفرغناه فيها، ما دامت المفاضلة الان بين السيناريو السيئ والسيناريو الأسوأ، وبين الرمضاء والنار، ولو كان الساسة العرب يقرأون الشعر لما فاتهم ما كتبه خليل حاوي الذي اصطاد قلبه ببندقية في بيروت عندما شاهد الاجتياح ينكس اعلام العروبة كلها ...
تساءل خليل كيف تمكن هؤلاء الساسة من تفسيخ مياه البحر وتعبئة مائه في الجرار كي يفقد قوته وعنفوانه وتياره ليصبح مستنقعا ؟ ندرك في مئوية «سايكس بيكو» ما الذي جنته براقش ليس على نفسها فقط بل على حفيدها العاشر، ولو كان العرب صادقين في هجاء «سايكس بيكو» لما عاشت مئة عام وأنجبت الآن تقسيما آخر أنكى و»أسخم» الف مرة من التقسيم الذي اقترحته المعاهدة الأم .
السّاعة التي اهداها الرشيد الى اوروبا توقفت عقاربها منذ أن فرض على الخليفة ان يركب بغلة عرجاء ويطوف بها انحاء المدينة، ومنذ ان تبخّر كل شيء في هذا الوطن ليصبح غيوما تمر مسرعة في فضائنا لأن خراجها للآخرين!.