لا جدال إطلاقاً في أنَّ للجوء الأشقاء العرب من سوريا ومن العراق وسابقاً من فلسطين بعد حرب عام 1967 وقبل ذلك يشكل عبئاً إقتصادياً ثقيلاً على الأردن هذا البلد المحدود الإمكانيات والشحيح المصادر كما أنه يشكل بالتأكيد إرباكات أمنية كثيرة بسبب ما تشهده هذه المنطقة من ظهور غير مسبوق للعديد من التنظيمات الإرهابية التي تسعى كلها لإنشاء خلايا نائمة في دول هذه المنطقة وخارجها وعلى صعيد العالم بأسره.
إن هذه المسألة معروفة والمفترض أنها محسومة لكن ما يجب قوله للأردنيين، الذين أنشئت دولتهم ، المملكة الأردنية الهاشمية ، استنادا إلى متطلبات ومعطيات قومية لا تزال قائمة، هو أنه من غير الممكن بل غير الجائز وأيضا من المعيب أن نغلق حدودنا أمام أشقاء لم «يلزَّهم على المر الا الأمر منه» ولم يغادروا ديارهم إلا هروباً بأرواحهم وأرواح أطفالهم وصونا لأعراضهم وكراماتهم وقيمهم.
إنه لا يمكن أن يقبل شقيق سوري بالعيش في مخيمات الذل هذه ، إنْ في الأردن وإن في لبنان وفي تركيا والعراق، الا تحت وطأة الخوف على حياته وحياة أطفاله بينما بقيت سوريا، العزيزة والحبيبة ، تتعرض على مدى نحو أربعة أعوام لتدمير منهجي شمل معظم مدنها وقُراها وبينما أصبح الشعب السوري بغالبيته مجموعات من اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل داخل وطنهم والذين إن هُمْ لم يستجيروا بأهلهم وذويهم وأشقائهم الأردنيين فبمن يستجيروا يا ترى؟…هل نتركهم يستجيروا بإسرائيل أم ببحور الظلمات التي ازدرت الألوف منهم وهم يحاولون الوصول إلى ملاجئ يلجؤون إليها بعد ما ضاقت عليهم ديارهم بما رحبت.
ثم ولعل ما يجب إيضاحه هو أن الأردن ، هذه الدولة التي تحتل مكانة محترمة في الغرب والشرق الأوسط وفي العالم بأسره لا تستطيع إغلاق حدودها أمام لاجئين بأرواحهم وأرواح أطفالهم وتطاردهم قذائف المدافع والصواريخ والبراميل المتفجرة حتى وإن هي فكرت بذلك وهي لا يمكن أن تفكر بهذا إطلاقاً فالمجتمع الدولي بقوانينه الإنسانية يحرم هذا وربما يتخذ إجراءات رادعة إن تم تحدي هذه القوانين.
ولذلك ولهذا كله فإن علينا أن نلوذ بالصبر وبالحكمة وأن نتذكر رغم كل ما نشعر به من ضيق أننا كلنا في هذه المنطقة التي تسمى الهلال الخصيب، لولا تلك المؤامرة المبكرة بعد الانفكاك عن الدولة العثمانية، أبناء دولة واحدة وهنا فإن المفترض أن الكل يعلم أن دولتنا المملكة الأردنية الهاشمية قد ساهم في إنشائها «الاستقلاليون» وأن جيشنا «العربي» قد تشكل من إخْوة وأشقاء من سوريا ولبنان ومن العراق ومن المملكة العربية السعودية وهناك الكثير من الأسماء التي لا تزال معروفة.
إن هذه الحقائق كلها يجب أن تكون حاضرة عندما نتحدث عن لجوء الأشقاء ، وبخاصة من سوريا، إلى بلدنا المملكة الأردنية الهاشمية… وهنا فإن الأسوأ هو أنَّ «أعوان» و «أتباع» هذا النظام القاتل الحاكم في دمشق لا يتورعون عن الوقوف مع الجلاد ضد الضحية ولذلك فإنهم يبالغون كثيراً في تضخيم ما يعتبرونه تجاوزات ، معظمها مفتعلة و»مفبركة»، يقوم بها هؤلاء الأخوة الذين أضطرهم «نظامهم» إلى اللجوء تحت قصف المدافع والصواريخ والبراميل المتفجرة.