تختزن الذاكرة الوطنية للدولة الكثير من تراث الحفاظ على رجالها , من خالد مشعل الى فواز العيطان , ولن يكون معاذ الكساسبة استثناء او نقطة لسطر جديد , بل فاصلة وطنية لاكمال الجملة الاردنية الدائمة « حيطنا مش واطي « , فالنسر الاردني تحول الى اهزوجة وطنية اعادت الاعتبار للمشهد الوطني واللحظة الاردنية الخالية من دنس الاقليمية والطائفية , فالنسر الشاب صار ترنيمة يرددها كل صغير وكبير وكشف عن معدن الاردنيين الاصيل , فالاجراس في الكنائس دقّت من اجل عودته والصلوات تُتلى من اجل قبلة يطبعها على جبين امه ويديها سالما غانما , اذن لا يساورنا القلق من سلوك واداء الدولة من اجل عودة البطل الاسير , وان كان القلق مشروعا من سلوك الطرف الآخر الذي اعتدنا على تقلباته وعدوانيته وشراسته .
رغم القلق المشروع من الخصم الا ان المعطيات على الارض تشير الى بوارق امل متعددة , ليس اولها امتلاك الدولة حدائق خلفية للتعامل والتعاطي مع التيار السلفي بشكل عام ومشتقاته في سوريا والعراق بشكل خاص وهذه الحدائق لها بوابّات خلفية تستطيع الدولة الولوج منها لتحقيق صفقة لاطلاق سراح معاذ بعملية تبادل وهذه اقوى الاحتمالات واكثرها عقلانية وتحظى بقبول شعبي وسبق تجربتها في حالات سابقة وسلوك اعتادت عليه الدول التي تحافظ على مواطنيها , وتمتلك الدولة ارشيفا من النجاح في هذا المضمار فقضية السفير فواز العيطان جرى التعامل معها بهذا الاسلوب وكذلك خالد مشعل , وثمة اجواء عامة تساعد على ذلك , فالعلاقة الاردنية مع العشائر المحيطة بتنظيم داعش قوية وتحفظ العشائر في العراق والرقة للاردن مواقفه ودعمه وتواصله معها وبالتالي ستكون عامل تأثير لاتمام الصفقة وإنجاحها .
بارقة الامل الثانية علاقات الاردن الايجابية مع دول تمتلك موانة على داعش ومشتقاتها سواء كانت تلك العلاقات في السر او التوقع وستنشط خلايا الدولة الخارجية في التعامل مع هذه التشابكات ولملمة اسلاك التواصل للوصول الى الحفاظ على حياة معاذ اولا ومن ثمة التوصل الى اطلاق سراحه بعملية سياسية على غرار ما حدث مع راهبات معلولة واركان السفارة التركية وحتى مع اعضاء من حزب الله اللبناني , وهذه خطوات بطيئة نسبيا ولكنها تحقق الغاية في نهاية المطاف والدولة شكلّت خلاياها المتنوعة حسب المتسرب من الاخبار وطبيعة تركيبة خلية الازمة الرئيسة التي تشارك فيها وزارة الخارجية والاجهزة السيادية الامنية والعسكرية وكلها موصولة ومتصلة لانضاج اطلاق سراح الكساسبة بأقل كلفة ممكنة ولكنها جاهزة لدفع الكلفة مهما علا ثمنها فحياة الاردني اغلى من اي شيء آخر والثابت الوحيد في مثل هذه الاجراءات حماية الروح الاردنية فقط .
البارقة الاخيرة ان يتم تحرير معاذ الكساسبة من خلال عملية نوعية وهي الخيار صفر بالنسبة لخلية الازمة المتشكلة حاليا نظرا لصعوبة الظرف والجغرافيا التي يتحرك في فضائها تنظيم داعش , وبالعادة فإن تلك الخطوة بعيدة التوقع ولا تلجأ لها الدولة حسب سلوكها وتراثها الا في الداخل الاردني وان سبق لها اللجوء اليها في حادثتين هما الكربولي زياد وقاتل الديبلوماسي فولي , وان كان الارجح والراجح ان يتم التعامل مع البارقتين الاولى والثانية لضمانة تحقيق الغاية المنشودة , خاصة مع الرسالة الايجابية القادمة من داعش بالحفاظ على حياة الكساسبة وهذا معناه ان باب التفاوض مفتوح وبقي تحديد الكلفة والطريقة وهذا شأن تدركه خلية الازمة ونثق بمقدرتها على تنفيذه باقتدار وكفاءة مشهود لها بحسن تنفيذها .
الثابت والأكيد ان الدولة تتحرك بسرعة ووقار لانضاج الافراج عن الكساسبة وسط روح اردنية ايجابية تحتاجها الدولة وتحتاجها اللحظة الاردنية , واي قيادي في داعش يدرك حساسية اللحظة الاردنية ويدرك اكثر ان المجتمع الاردني لن يقبل ان يرى ابنه غير سالم لا سمح الله , وان حربه ستكون مع الاردنيين بكل اطيافهم وتلاوينهم وليس مع المؤسسة العسكرية والامنية فقط على شدة محبة واحترام الاردنيين لمؤسساتهم العسكرية والامنية , ما يريده الاردنيون مجتمعين عودة ابنهم معاذ سالما وان يحتفلوا مع امه وعائلته بعودته مهما كانت الكلفة السياسية ومهما غلا الثمن .