لم تكن المصالحة المصرية القطرية مفاجَأة، اذ سبقتها مؤشرات، غير ان المفاجأة تتلخص فقط بهذا التسارع، الذي مر عبر اغلاق الجزيرة مصر، كدليل ساطع على وقف الحضانة السياسية للاخوان في مصر، وصولا الى ماهو متوقع، بذروة لقاء محتمل يجمع امير قطر ورئيس مصر.
هذه هي حال العرب طوال عمرهم، معارك ثم مصالحات، ومابينهما هناك فروقات حسابات، في كل مرحلة، ولعل السؤال يتعلق تحديدا بوضع جماعة الاخوان المسلمين في المنطقة، بعد التقارب المصري القطري، ثم وضع حركة حماس، التي تتبناها الدوحة ولو جزئيا.
الاجابات مفصلة وعميقة، لكن اغلبها يبقى ناقصا، لان المعلومات غائبة حصريا، عما اذا كانت هذه التغيرات والانقلابات في المنطقة، تأتي ثنائية، ام ضمن صفقات اقليمية ودولية اوسع، وهذه الزاوية تحديدا تساعد في استبصار المستقبل.
بعيدا عن منهج التشفي والكيدية الذي تتسم به الخصومة السياسية في المنطقة، فالارجح ان جماعة الاخوان المسلمين اليوم، لابد ان تعيد التموضع، اذ خسرت تونس من جهة، حتى وان شكلت فيها دلالات هامة، وهي ايضا خسرت مصر تحت وسائل عدة، فيما لم تحصد في الاردن حصادها الذي افترضته، وهي ايضا، خسرت حاضنة خليجية هامة، قطر، لان المؤكد هنا، ان المال والاعلام القطريين، من جهة، ثم الدعم السياسي، لن يتواصل، والا ما معنى استرضاء دول الخليج، قطريا، ثم مصالحة النظام المصري الحالي؟!.
الامر ذاته ينطبق بدرجات على تجربة الاخوان المسلمين، في دول اخرى، من اليمن الى ليبيا، والافتاء على رؤوس الاخوان وتقديم النصائح لهم، ليس عملا راشدا، خصوصا، وهم في حالة من الضعف. الاصل هنا ان تقرأ الجماعة العام المقبل بطريقة مختلفة، والارجح ان البوابة التركية ذاتها سيتم غلقها كليا او جزئيا، ولن يسكت خصوم الاخوان عن هذه البوابة، وسيجدون طريقة ما، لاقناع انقرة برفع آخر ما تبقى من الدعم، ولو من باب صفقات المقايضة على ملفات اقليمية واقتصادية.
هي قراءة سلبية، لاتشي اساسا، برغبات خفية، ضد الاخوان لكنها تقول -ايضا- ان اعادة التموضع امر هام، مع هذه الخسائر الكارثية، في وجود الاخوان في السلطة، ووجودهم في الشارع، واذا كانت هناك مؤامرات وفقا لمنطوق الاسلاميين، فإن السؤال يتعلق بالكيفية التي تتجاوب فيها الشعوب مع هذه المؤامرات، وهل هي مسحورة حقا، حين غيرت مواقفها كما في تونس، او لامبدأ لديها مثلما حدث في مصر اذ تم ترك الاسلاميين اسارى لمواجهتهم فرادى؟!.
الملف الاخر، يتعلق بوضع حركة حماس، ومعادلة حماس بعد العدوان الاسرائيلي الاخير، تختلف عن السابق، تماما، كما ان الجماعة الام تعرضت لاضرار فادحة، وهذه الحال وسط الحصار الدولي والعربي والفلسطيني، تثير التساؤلات حول وضع حماس تحديدا وهل يمكن اعتبار المصالحة القطرية المصرية، تصب في المحصلة ايضا، في سياقات خسائر الحركة، ودفعها للبحث عن تحالفات جديدة وبأي صيغة؟!.
ملفان اذن يتأثران جذريا بالمصالحة المصرية القطرية، وهي مصالحة لم تكن وليدة عامل عربي او اقليمي وحسب، بل نتاج عامل دولي ايضا، وهذان الملفان، اي الاخوان وحماس، بحاجة الى قراءة اكتوارية لنعرف معها حال الاخوان وحماس، خلال العام المقبل، خصوصا، ان كل سلسلة التحالفات في المنطقة باتت متغيرة، ولايمكن الركون الى ذات المقدمات، للوصول الى نتائج تقليدية.
العقدة حول عنق الاخوان، تمت زيادة حدتها، بهذه المصالحة، والمؤكد هنا ان لكل صراع سياسي، فروقات حساباته التي تدفع الثمن وحيدة.