لم يعد بوسعنا ملاحقة سياسات هذا الرجل الذي ورث منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة وحركة فتح بدعم قوىً لا تريد خيرا بالقضية الفلسطينية، فهو يفاجئ الجميع مرة تلو الأخرى بمواقف تكسر كل الثوابت الفلسطينية حتى في حدها الأدنى، والمصيبة، بل الكارثة أنك تجد من يدافع عنه ويطبل له، حتى من أولئك الذين أدانوا تآمره على ياسر عرفات وتهيئة الأجواء لاغتياله من قبل الصهاينة.
وفي حين كان البعض يتندر بدكتاتورية عرفات رحمه الله، فقد ثبت الآن أنه أرحم من خلفه، إذ لا وجود هذه الأيام لمنظمة التحرير إلا بالاسم، ولا وجود لقرار جماعي في فتح، والسلطة كلها بيديه، ومن يتمرد أو ينتقد حتى مجرد الانتقاد، يجري إبعاده على الفور.
منذ العام 2004، وهذا الرجل يأخذ القضية في تيه مزمن، ويحوّل السلطة إلى أداة لحفظ أمن الاحتلال، والحيلولة دون أي شيء يزعجه، وحين ينتفض الناس أو يحاولون الانتفاض يمعن فيهم تقريعا، ويجند أمنه لمنع الاحتكاك مع الاحتلال، ويتلقى مقابل ذلك الكثير من الإطراء، ربما باستثناء بعض الهجاء من ليبرمان، وهو الهجاء الذي لا يكف تابعوه عن اعتباره دليلا على حرصه على ما يسمى «المشروع الوطني».
في وثائق التفاوض الشهيرة، فاجأنا محمود عباس بحجم تنازلاته، وفي إصراره على التنسيق الأمني ورفض المقاومة، وتسفيه تاريخها، وفي الحروب الثلاثة التي شنها الاحتلال على قطاع غزة، فاجأ الجميع بمواقفه، بخاصة في الحرب الأخيرة التي يحرص الآن على تحويلها من محطة لانتصار برنامج المقاومة، إلى محطة لسرقة سلاح المقاومة، وضم القطاع إلى الضفة في برنامج التنسيق الأمني والعبث التفاوضي.
الآن يفاجئ عباس الجميع بقصة أخرى عنوانها الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي من أجل تحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال (عريقات يتوقع أن يكون التصويت على المشروع اليوم الاثنين). ومع أننا ندرك أن أصل اللعبة هو من أجل إلهاء الشعب وإبعاده عن فكر المقاومة لأن أحدا لم يقتنع يوما أن الفلسطينيين سيحصلون على دولة كاملة السيادة على حدود 67، بما فيها القدس الشرقية من خلال المؤسسات الدولية.. مع أننا ندرك ذلك، إلا أننا فوجئنا بالرجل يحوّل اللعبة إلى محطة جديدة للتنازل المجاني للعدو، وكل ذلك من أجل أن لا يحرج أمريكا ويضطرها إلى استخدام الفيتو ضد مشروع القرار.
لمزيد من تفصيل المصائب التي انطوى عليها مشروع القرار، لخص بيان لحركة الجهاد الأمر بشكل جيد، نأخذ منه بعض المقتطفات: أن المشروع يتنازل سلفا عن كل القرارات الصادرة حول فلسطين عن مؤسسة الأمم المتحدة. وللتذكير،فهناك قرار من محكمة لاهاي عام 2005 بشأن الجدار يُعد أقوى من قرار 242، لكن السلطة تنساه، ولم يترتب عليه أي شيء.
في مشروع القرار لا تطالب السلطة بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، بل تتحدث عن مفاوضات تستند إلى هذه الحدود؛ ما يفتح الباب لتبادل الأراضي. ويعلم الجميع ماذا يعني هذا البند من حيث إبقائه الكتل الاستيطانية الكبرى التي تسرق أهم أراضي الضفة في مكانها، مقابل أراضٍ أخرى أقل قيمة بكثير.
يتحدث القرار عن القدس «كعاصمة لشعبين»، والنتيجة هي شطب عودة القدس الشرقية التي يرددها القوم منذ قبلوا بقرار 242، وفتح الباب أمام عاصمة في الضواحي التي ضُمت إلى المدينة بعد عام 67.
يربط القرار «حق عودة» اللاجئين الفلسطينيين وممتلكاتهم «بالمبادرة العربية» التي تتحدث عن حل «متفق عليه» لقضية اللاجئين؛ ما يعني أنه لا عودة لأراضي 48، وهو تنازل قديم في واقع الحال. ففي وثائق التفاوض، يتحدث عريقات عن موافقة أولمرت على إعادة عشرة آلاف خلال 10 سنوات، فترد عليه ليفني (يأملون الآن بفوز تحالفها على نتنياهو!!) بأن ذلك رأي أولمرت الشخصي، وأن الرقم الذي سيعود هو «صفر».
يعطي المشروع/ القرار الاحتلال مهلة للبقاء حتى العام 2017، ولا معنى لهذا التاريخ سوى أن تأخذ «إسرائيل» وقتها، وتكمل ابتلاع الضفة وتهويد القدس. والأهم، طبعا في ظل استمرار التفاوض العبثي والتنسيق الأمني ومطاردة المقاومة.
في ضوء ذلك كله لا بد من القول، إنه آن الأوان لشرفاء حركة فتح أن ينضموا إلى بقية الشعب الفلسطيني في رفع الصوت عاليا والقول لهذا الرجل، إنه آن الأوان الرحيل، والشعب الفلسطيني سيتدبر أمره من دونك.