أيا كانت النتيجة التي ستفضي إليها جهود الدولة لاستعادة الطيار معاذ الكساسبة، فإنها ستغير في مقاربات السياسة الأردنية حيال قضية مكافحة الإرهاب في الداخل والخارج.
خلال الأيام القلية الماضية، ازدحمت أجندة المحللين والصحفيين بالأسئلة حول مصير الدور الأردني في التحالف الدولي ضد "داعش"، وما إذا كانت قضية الطيار ستدفع به إلى التراجع خطوة للخلف، أم الاندفاع خطوات إلى الأمام. وطالت الأسئلة علاقة الدولة مع المجموعات المتطرفة والمتعاطفة مع "داعش" في الداخل. وذهبت إلى السؤال أبعد من ذلك، وتحديدا عن الموقف الرسمي من جماعة الإخوان المسلمين التي اتخذت موقفا فاترا من القضية.
منذ الساعات الأولى لحادثة الطائرة الأردنية، لم تُظهر مؤسسات الدولة نية للتراجع عن دورها في التحالف الدولي، لا بل إنها حرصت على تأكيد هذا الدور في بيانها الأول، كما ترجمت ذلك بشكل عملي في اليوم التالي.
كان هذا الموقف في جانب منه ردا على أصوات داخلية، طالبت بمراجعة سريعة للدور الأردني، وتعليق المشاركة في عمليات التحالف الدولي.
ويعتقد خبراء على صلة بمراكز القرار أن الطريقة التي سيتعامل بها تنظيم "الدولة" مع قضية الطيار الكساسبة، ستحدد طبيعة الرد الأردني في المرحلة المقبلة.
هذا الاتجاه يطالب منذ الآن بتصعيد عسكري في حال لم يستجب "داعش" لجهود الوساطة وصفقة التبادل، وتوسيع دائرة الرد لتشمل المجموعات المحسوبة عليه في الداخل.
بعض المنتمين للجماعات المتطرفة استشعروا الخطر مبكرا، وبادروا إلى عرض خدماتهم، والتوسط لتسوية الأزمة، للحؤول دون ارتدادات محتملة لها في الأردن.
لكن ينبغي التذكير هنا أن سياسة الدولة تجاه الجماعات المتشددة شهدت تحولا ملموسا منذ أشهر. وتبدّى هذا التحول في توسيع نطاق التوقيفات والمحاكمات، استنادا إلى تعديلات قانون منع الإرهاب. وقد تجاوز عدد الموقوفين حتى الآن حاجز المائتين. وباستثناء أبو قتادة الذي يتخذ موقفا حادا من "داعش"، فإن معظم قيادات ما يعرف بتيار السلفية الجهادية يقبعون في السجون، وعدد غير قليل منهم التحقوا بصفوف تنظيم "الدولة" و"جبهة النصرة" في سورية.
وثمة من يقترح إجراء تعديلات على القوانين تعطي الحكومة الحق في تجريد الملتحقين بالجماعات المتطرفة من جنسيتهم الأردنية، ومحاكمة قادتهم غيابيا حسب قانون منع الإرهاب، والتي تصل العقوبات فيه إلى الإعدام.
موقف الإخوان المسلمين في المرحلة المقبلة سيكون على المحك؛ أي تصعيد يتجاوز الموقف المعلن حاليا، لن يجد قبولا في ظرف حساس ودقيق كهذا. الدولة في مواجهة أزمة خطيرة، وصدرها لا يتسع لمواقف تصنف على أنها استفزازية أو "طعنة من الخلف".
كان هناك في أوساط المسؤولين من يراهن على أن "الإخوان" لن يجازفوا بما تبقى من صلات مع الدولة والتيار العام في المجتمع، لكنهم آثروا الوقوف خارج الإجماع الوطني مرة أخرى، حسب رأي هؤلاء المسؤولين.
لكن من يرى في موقف الإخوان مفاجأة غير سارة، ينبغي عليه أن يتذكر بأن الطريقة التي أديرت بها العلاقة معهم خلال الفترة الماضية، كانت ستفضي حتما إلى مثل هذه النتيجة.
لقد مضى على مشاركة الأردن في العمليات الحربية ضد "داعش" نحو ثلاثة أشهر، لكنها المرة الأولى التي يشعر فيها الأردنيون أنهم دخلوا الحرب فعلا. المواقف والحسابات ستختلف حتما. ويتعين على جميع الأطراف وضع هذه المتغيرات في حساباتها، والتنبه إلى أن الأردن بعد قضية الطيار الرهينة، لن يكون كما كان قبلها.